٨/٠٩/٢٠١٠

معتدل مارش

أشدّ المصطلحات الّتي تستفزّني دوماً وتجعل الدم يتصاعد إلى رأسي هو مصطلح معتدل. ففي أحاديث رئيس الولايات المتّحدة وطاقم إدارته نجد ذكر هذا المصطلح باستفاضة في وصف والتغنّي بجمال بعض الأنظمة و المجموعات و الأفراد في العالم العربي, ولكن أكثر ما يُدهشني هو أنّ من يُطلق عليهم هذا الوصف يرضون به ويعتبرونه إشادة, ويتلقّونه بصدر رحب و بسعادة غامرة, ويعتبر واحدهم أنّه يحقّ له أن يفخرَ _أشدّد على علامة النصب الفتحة_ دون الالتفات لما وراء كلمة "معتدل" من شبهة تبعية وذيلية. وحتّى هذه اللحظة لم أمسك بمعنى "الاعتدال", فهو مصطلح مراوغ متلوّن زئبقي, فهل المقصود أنّ من يُوصف بهذا الوصف قد استيقظ واحتسى فنجان قهوة مع لفافة تبغ _مع ما للتدخين من ضرر_ "فاعتدل" مزاجه وأصبح بشوشاً لا يعكّره شيء؟ أم أنّه "الاعتدال" في تناول الطعام للحفاظ على القوام وتماسك الجسم العربي؟ أم أنّ من يُوصفون بهذا الوصف يعتبرونه إشادة على سبيل أنّ "امشي عِدل يحتار عدوّك فيك" وأن عدوّنا لا ينام الليل من كثرة حيرته؟ أم أنّ مصطلح الاعتدال هنا يأتي من العدل, فهم _"المعتدلون" يعدلون بين العرب وبين العدو الصهيوني, ويتّخذون موقفاً محايداً يحاولون فيه الظهور بمظهر الوسطي العقلاني الحكيم ممسك العصا من المنتصف صاحب النظرة الثاقبة؟ قد أفهم انطباق المعنى الأخير على دول مثل السويد أو تشيلي ولكن على عرب؟! عندما أشاهد بعض البرامج السياسية الّتي تستضيف بعض "السياسيين العرب" يستوقفني بعضهم بمقولة "إنّ حركات المقاومة في العالم العربي هي أذرع تستخدمها إيران"!! وكأنّ الأراضي المحتلّة تقع في قُم أو أصفهان, وأنّنا كعرب أُقحمنا في هذا الصراع دون أن يكون لنا ناقة أو جمل, و أنّه يتوجّب علينا الوقوف موقف المتفرّج المحايد و ربّما الموالي لإسرائيل على سبيل أنّها الجارة أقرب من إيران! لو سلّمنا جدلاً أنّ الاعتدال واجب وجميل وحكيم ومطلوب, فهل هؤلاء حقّاً "معتدلون"؟ هل يقفون حقّاً موقفاً وسطيّاً بين العرب _هم_ وإسرائيل؟ على الأقل لو أرادو أن يكونوا حقّاً "معتدلين" محايدين عليهم أن يتعلّموا من الولايات المتّحدة وأن يمارسوا مع العرب _أنفسهم_ ما تمارسه الولايات المتّحدة مع إسرائيل من "اعتدال", ولكن يبدو حقّاً أنّه تفوّقوا في التعلّم ويمارسون نفس ما تمارسه الولايات المتّحدة مع إسرائيل.لا أدري هل "اعتدالهم" هو خوف أم عدم ثقة بالنفس, أم تسليم بأنّهم لا يستطيعون الاستمرار في الصراع وأنّ العين لا تقاوم المخرز, أم أنّهم كالثعالب وضعوا خطّة استراتيجية, و يتحيّنون الفرصة بمكر للانقضاض على عدوّهم وتمزيقه, ربّما لا أدري هذا, ولكنّي أطلب منهم "كمعتدلين" طيّبين لا ناقة لهم ولا جمل أن يقفوا على الحياد, وأن يدعوا من يستطيع و يريد الاستمرار في طريق استرجاع الحقوق وشأنه, وألاّ يحاولوا أن يضعوا العراقيل أمامه "ليعدّلوا" من مزاجه, لأنّ المزاج "المتعكّر" يكون لطيفاً أحياناً ويعيد إليك حقّك.