١٢/٢٩/٢٠١٠

ضجيج أبيض White Noise

أكتب هذه الكلمات وأنا أستمع إلى رائعة "البحر بيضحك ليه" للعظيمين نجم و إمام, عسى أن أغترف من بحرهما العذب بعض كلماتٍ أملأ بها بياض هذه الصفحة علّي أسقي بها ذهني وأذهانكم للحظات, وكي أخلي مسؤوليتي أنصح بسماع الأغنية أثناء قراءة هذا المقال علّها تغطّي على رداءته وصعوبة هضمه و تكون كجرعة الماء مع الدواء المرّ..
"البحر بيضحك ليه
وأنا نازل أدّلع أملا القلل"
لا يعتبر الكثير من الناس الأبيض لوناً, وربّما يعتبرونه "اللالون" أو الفراغ اللوني إن صحّ التعبير, رغم أنّ اللون الأبيض هو اجتماع كلّ الألوان كما عبّرت تجارب نيوتن. وترى أغلبُ الحضارات أنّ الأبيض رمزٌ للنقاء رغم أنّ كلّ الألوان _دون استثناء_ لطّخته ودخلت في تركيبه بنسبٍ محدّدة, والأبيض هو اللون الوحيد الّذي _حسب ظنّي_ يراه الجميع بنفس الكيفيّة, ويكون وقعه في أذهانهم واحداً, بينما من المحتمل جدّاً أنّ كلّ واحدٍ منّا يرى أيّ لونٍ آخر بشكل مختلف عمّا يرى الآخرون هذا اللون, فمن يضمن أنّني أرى الأحمر أو الأخضر كما تراه أو تريه؟
"البحر غضبان ما بيضحكش
أصل الحكاية ما تضحكش
البحر جرحه ما بيدبلش
وجرحنا ولا عمره دبل"
يُولد الإنسان بنفسيّة بيضاء, ومع الأيّام قد تختلّ نسبة أحد الألوان _المكوّنة للأبيض_ فتتلوّن نفسيته, أو حتّى قد تفقد كلّ لون فتصبح سوداء, فيفقد إنسانيته. والروح تسكن تعابير وجه الإنسان, فانعكاس روحه عند الغضب والسعادة والحزن يظهر على وجهه, وفقط في الوجه يتواجد البياض الظاهر من جسم الإنسان المتمثّل قي بياض عينيه وأسنانه, وأستغرب مِن الّذي يضع أقنعةً على وجهه فيُخفي روحه, رغم أنّ الوجوه لا تشعر بالبرد كالأطراف, هل شعر أحدكم بالبرد في وجهه ودعكه أو قرّبه من نار المدفأة؟ ولكنّني الآن للأسف أرى أنّ البرد قد نخر وجوهنا فارتدينا الأقنعة وكأنّها ستجلب الدفء إلى أرواحنا, فطبّعنا مع الزيف فأصبح سمة طبيعيّة عندنا..
"مساكين بنضحك من البلوة
زي الديوك و الروح حلوة
سارقاها من السكين حموة
و لسة جوا القلب أمل"
وانتشر الزيف بيننا, وأصبح عند البعض بمثابة طرفٍ خامسٍ _إضافةً إلى ذراعيه وساقيه_ يصعب بتره, فسكنهم كالطابورٍ الخامس داخلهم, حيث يطغى أحد الألوان فيصبغ النفسية وتصبح كالعملة المزيّفة, قد تبتاع شيئاً ولكنّها تبقى مزيّفة. وأشدّ مظاهر الزيف كما أرى هو الزيف في الدين, فمثلاً أرى أنّ عدد من يصلّون كبير, وهنا تحتلّني أسئلة من قِبَل هل حقّاً يدرك هؤلاء معنى ومغزى الصلاة؟ وإن كانوا يدركون فلمَ مجتمعاتنا بهذا الشكل المزري؟ وقد سألت كثيراً عن هذا المغزى ولم يملأ أحدٌ "قُلل" حيرتي, فالله لا يحتاج إلى صلاتنا, إذن فهو فرضها علينا من أجلنا, وبقليلٍ من التفكير وجدت أنّنا مخلوقات جُبلت بماء النسيان, وفي أحيانٍ كثيرة ننسى أخلاقنا أو تتلوّن أنفسنا, فتأتي الصلاة في أوقات متباعدة من اليوم لتذكّرنا او أنّنا قد نسينا الأخلاق, وتعيد نسب الألوان إلى طبيعتها, كما تتزوّد الطائرات بالوقود, فنحن طائرات تطير في كوكب تحكمه قوانين جاذبية واحتكاك, فلا مجال لأن تستمرّ في الطيران بفعل القصور الذاتي كما لو كانت في الفضاء, فدون وقود تسقط. وما يهمّ فعلاً هو الفترة بين صلاتين, ولكنّ الكثيرين يولون فترة دقائق الصلاة القليلة أهميّة أكبر من الساعات الطوال بين الصلوات, على اعتبار أنّ الصلاة حركات نؤدّي بها واجباً, وهؤلاء كمن يسقي زرعه بماء البحر وينتظر أن يحصد قمحاً يصنع منه خبزه..
"قللنا فخّارها قناوي
بتقول حكاوي و غناوي
يا قلّة الذل أنا ناوي
ما شرب و لو في المية عسل"
مشكلتنا كأمّة أنّنا نتطلّع قُدُماً إلى الأمس! إلى التاريخ, أمّا المستقبل فلا نفكّر فيه, على اعتبار أنّنا باقون أبداً, رغم أنّ الذلّ قد نصب خيمه بيننا, وغدا أعداؤنا يسفكون دماءنا إلى جانب شربهم مائنا وعسلنا. وإن وُجد من يفكّر في المستقبل, نجد أنّه يَنظر إلى ذلك المستقبل بنظرة تشاؤميّة سوداوية خالية من أيّ لون, فالمنحنى البياني للأمّة هذه الأيّام في سقوط لا هبوط فحسب, كما تسقط الطائرة بفعل الجاذبية حين يفرغ منها الوقود..
"ياما ملينا وملينا
لغيرنا وعطشنا ساقينا
صابرين وبحر ما يروينا
شايلين بدال العلة علل"
ولجعل الأجيال القادمة تفكّر في المستقبل قليلاً, أقترح إضافة مادّة المستقبل إلى جانب مادّة التاريخ في مناهجنا التربوية, لأنّنا _كما أرى_ بدلاً من إنشاء مصانع سيّارات وصواريخ, افتتحنا مصانع لآلات الزمن, نتنقّل بها! فعسى أن يفكّر بعض أفراد الأجيال القادمة في المستقبل بطريقة بيضاء..
"في بالي ياما وعلى بالي
واللي بيعشق ما يبالي
ما يهمنيش من عزالي
يا حلوة لو مرسالي وصل"
أردت قول هذه الكلمات وطرح هذه الآراء رغم أنّني أعلم أنّ الكثيرين قد يخالفونني, ولكن أتمنّى لو كان بعض هذه الآراء صحيحاً, عسى أن يضيف إليها آخرون, حتّى نحاول النهوض بأمّتنا, ونكون كالجزَر نقوّي نظرها كي تتطلّع إلى المستقبل دون الحاجة إلى نظّارات أو عدسات ملوّنة بعد أن يبدّلوا جلدها ويصبغوا شعرها.
وفي النهاية أودّ القول أنّني أحسد البطريق القاطن في القطب الجنوبي, لأنّ البياض هو جلّ ما يراه, وأحسده أكثر لأنّه لا يستطيع الطيران فلا يبرح ذلك البياض, عسى ألاّ يسلبه التغيّر المناخي بياضه.
رغم التحيّة لمناضلي تونس, ولكنّني لن أتكلّم هذه المرّة في السياسة المباشرة لعالمنا العربيّ لأنّها الإجابة الوحيدة لسؤال: "البحر بيضحك ليه
وأنا نازل أدلّع أملا القلل"!!

يمكنك معرفة المزيد عن الضجيج الأبيض من هنا..

١٠/٢٢/٢٠١٠

رعد الفضاء.. و الأرض


أهدي هذا المقال إلى أختي رحاب, وهي أعظم أخت وأصدق صديقة في الدنيا قاطبةً, كما أهديه إلى أبناء جيلي, وإلى كلّ من أحبّ كتاباتي لأنّني أحبّ قراءته, وإلى الأرض وحجارتها وإليك عزيزي القارئ.

أعتذر عن عدم الكتابة في الفترة الماضية فقد كان عقلي مشلولاً, وأعد نفسي أمامكم بأن أكتب بانتظام.

أسمع دوماً مقولة "العلم في الصغر كالنقش على الحجر" و أشعر بعدم ارتياح عند سماعها, ففيها من عدم دقّة ما لا يمكن لمسه بسهولة, ربّما قيلت لأنّنا قومٌ نعشق السجع! ولكن حين نراقب وعي الطفل نجد أنّه طيّع سهل التشّكل, وليس حجراً كما يقولون إن ضربنا فيه إزميلاً لن يعود إلى سابق عهده, وهنا سأضع مقولة جديدة تريحني _وتريح محبّي السجع كذلك_ وهي "تعليم الصغار كصناعة الفخّار". حيث يمكننا تشكيل الفخّار كما نريد و وضع تعديلات عليه, قبل وضعه في فرن المراهقة حيث يخرج إنساناً بكلّ ما فيه من حرفية في التصنيع يحفظ نقاء الماء, أو رداءة في التصنيع تكثر فيه الثقوب و السحجات والأثلام ممّا يسهّل كسره لاحقاً.
قد لا نختلف إن قلتُ أنّ الطفولة بالنسبة إلى شخصيّة الإنسان هي الأساس, وفيها تتكوّن نواة شخصيته بكلّ ما فيها من وعي و خير و شرّ و عُقد و مزاجية و غيرها, ثمّ تنمو هذه الأشياء مع نموّه, ولن نختلف إن قلنا أنّ تربية الإنسان في سِنيّ عمره الأولى تشكّل تصرّفاته عندما يبلغ سن الرشد, فمثلاً إن علّمنا الطفل أنّ السرقة سيّئة, وأقنعناه بذلك بشكل عملي, فلن يسرق أبداً.
أردت من هذه المقدّمة أن ألقي بعض الضوء على كيفيّة تشكّل نفسيّة الإنسان في طفولته, فهناك عدّة عوامل تساهم في هذا منها _أو أهمّها_ خلال ربع القرن الأخير الرسوم المتحرّكة. طبعاً معظم أبناء جيلي _ومعظم القرّاء الأعزّاء هنا منهم_ شاهد رسوماً متحرّكة وكوّنت لديه وعيٌ ما وشكّلت جزءاً من شخصيته. وسأتكلّم هنا عن نفسي, ففي بداية تكوّن الوعي لديّ, كانت الانتفاضة الأولى
مندلعة في فلسطين, وكان أهمّ ما يميّزها هو أطفال الحجارة, وبما أنّ طفولتي كانت خارج الوطن العربي, فقد كانت هذه الانتفاضة وهؤلاء الأطفال يساهمون في تشكيل وعيي بمعرفة الحقّ, حين كنت أشاهد هؤلاء الأبطال بالعشرات يرمون حجارتهم على الجنود الصهاينة, وهذا ثبّت لديّ يقيناً أنّ تلك الأرض لنا ومن حقّنا, حيث أنّها تحارب معنا حين يرمي هؤلاء الأبطال بها _حجارة الأرض_ على المرتزقة فيردّ هؤلاء برصاص وقنابل صُنعت وجاءت من وراء البحار, وهذا دليل على أنّ تلك الأرض لنا. وفي ذلك الوقت أيضاً كنت أشاهد "جرندايزر", وهو بطلي الخيالي المفضّل دون منازع, صحيح أنّ صنّاعه من اليابان, ولكن من دبلجه كان على درجة من الحرفيّة حيث جعله عربيّاً, ومن لا يعرفه هو تقريباً جزء آخر من "مازينجر" حيث أُدخلت شخصيّات منه إلى جرندايزر. تتلخّص الحكاية بكوكب فليد الّذي دمّره طغاة فيجا, فلجأ دوق فليد أو أمير ذلك الكوكب إلى الأرض, ومن هناك عمل بمساعدة بعض الأرضيين على مقاومة جيش فيجا الّذي أراد التوسع باحتلال الأرض, و هذا يذكّرني بفلسطين حيث سيطر عليها الأوغاد القادمون من بعيد, وطردوا شعبها, فلجأ هذا الشعب إلى الجوار كي ينطلق في مقاومة المغتصب. وقد اتّخذ دوق فليد اسماً حركيّاً في الأرض وهو دايسكي, وهذا يذكّرني بمعظم رجالات الثورة يأسمائهم الحركية, وكان من آوى الدوق وساعده هو الدكتور آمون _لا أعرف لمَ يذكّرني وجهه بعبد الناصر!_ وهنا أرى أنّ الانتفاضة ومشاهدة جرندايزر شكّلا لديّ وعي المقاومة والدفاع عن الحقّ.
عرف صنّاع المسلسل ومدبلجوه من العرب كيف يجعلونه عربيّاً بامتياز, حيث انطبع صوت جهاد الأطرش _الّذي أدّى صوت دوق فليد_ في ذاكرتي, حين كان يطلق في وجه الأعداء صرخات الحماسية بصوته الجهوريّ القويّ, كما انطبعت أغنية جرندايزر الرائعة بكلماتها ولحنها, واتّخذت مكانها في خلايا دماغي الرمادية بصوت سامي كلارك الشجي ومعها الأغاني الإضافية, واستمتعت _ومازلت أستمتع على فكرة_ بسذاجة تامبي, و إصرار كوجي ونقاء هيكارو _ابنة تامبي_ الّتي يبدو أنّ والدتها هي ملكة جمال الكون كي ينجب تامبي بقبحه ابنةً بجمالها! كما أحببت ذكاء جورو وشفافية ماريا أخت الدوق.
لا أعتقد أنّ الرسوم المتحرّكة هذه الأيّام تحمل القيم ذاتها الّتي كانت تقدّمها الرسوم المتحرّكة في السابق, وهنا أخاف على الجيل الّذي يتشكّل الآن, فإذا كان معظم جيلنا الّذي شاهد تلك المسلسلات العظيمة ساكتاً عن حقّه غير مدرك له فكيف يكون حال الجيل القادم؟! وهنا أريد القول لجيلنا من شابّات وشباب بما أنّنا كبرنا وغدونا على حافّة الزواج والإنجاب أنّ واجبنا و ما يصنع قيمتنا في الحياة الآن هو تنشئة أبنائنا القادمين تنشئةً تجعلهم يؤمنون بحقّهم, وتربيتهم بطريقة تجعل منهم بشراً بكلّ ما للكلمة من معنى, كي لا يمضي وطننا وعالمنا من أسوأ إلى اسم تفضيل لم يٌخترع بعد. هذا هو واجبنا الوحيد في الحياة الآن بما أنّنا لا نستطيع إعادة حقوقنا, فلنربّي جيلاً يستطيع, ولنكن صانعي فخّار حرفيين, نخرج فخّاراً جميلاً قويّاً يحفظ الماء طاهراً عذباً داخله, فنكون بذلك قد قدّمنا لوطننا شيئاً ما وربّما تكون هذه أعظم خدمة يمكن أن نقدّمها له.

٩/٢٠/٢٠١٠

الشيء و أشياء أخرى

أهدي هذا المقال إليك عزيزي القارئ, وإلى أصدقائي الأعزّاء الّذين أعتزّ بهم وبصداقتهم ولو أنّي لم أتشرّف بمقابلة بعضهم بعد.. وإلى ابتساماتكم جميعاً..


يبدو أنّني قد أطلت الغياب وقصّرت في القيام بهوايتي كجنرال لجيش الحروف الّتي أغزو بها عقول القرّاء عندما أضع خطّة المعركة وأرتّب الجنود لتشكّل كتائب الكلمات وفرق العبارات الّتي سأحتل بها جزءاً من ذاكرتكم _قصيرة المدى_ بعد عبورها لنظركم أرتالاً أعزّائي. وبسبب غيابي الطويل سأعتمد في هذا المقال على طريقة الكتابة الحرة, حيث سأكتب ما يجول في خاطري في كلّ عبارة دون النظر إلى العبارة الّتي سبقتها, ودون تصحيح أو تنقيح, وسأفعل ذلك لأنفض غبار الكسل عن الآلات و الخلايا التعبيرية وأنهي إجازة عمّال مصنع الخيال لنبدأ التصدير ربّما ننافس يوماً ما البضائع الصينية.
قد يظهر المقال غير مفهوم وغير مترابط, ولكن من قال أنّ عقل الإنسان مفهوم ومترابط؟!
أحبّ استخدام قلمٍ و ورقة في الكتابة, فمع تشرّب الحبر الأسود في نسيج الورقة البيضاء يُولد ذلك التناقض الّذي يخلق حياةً, حيث يسقي الحبر تربة الورق بعد نثر الخيال عليها, فتنمو مدناً وعوالم و نحصد أفكاراً. ولكن _للأسف_ الوسيلة المتاحة هنا هي لوحة مفاتيح وشاشة حاسوب, و لهذه الوسيلة فوائدها, فخطّي كما يعلم المقرّبون منّي لا يُقرأ ويحتاج إلى عالم آثار وخبير نفسي وخبير فكّ شفرات وأنا شخصيّاً على أمل التوصّل إلى نتيجة في فكّ الطلاسم, لذلك الكتابة بلوحة المفاتيح على المدوّنة حلّ لا بأس به لتوصيل بعض أفكاري إليكم أعزّائي عسى أن أُفيد منكم وتفيدونني. والكتابة في مدوّنة تطوّر عظيم جدّاً, سمح لمن يريد التعبير عن أفكاره _ومنهم أنا_ أن يوصلها بسهولة, حيث ليس لديّ حمام زاجل كافٍ أرسله إلى الجميع.
أكثر موضوع نكتب عنه ونغنّي له ونتحدّث عنه نحن الشرقيون هو الحُبّ, لطالما تساءلت عن سبب هذ الأمر, ووضعت تصوّرات و أفكار, و خرجت بنتيجة تقوم أنّنا نقوم بكلّ ذلك التهليل للحبّ لأنّنا نمنع أنفسنا منه, أيّ أنّنا نعتبره شيئاً خطيراً وملعوناً و تابو يجب علينا محاربته كمجتمع, وذلك لأنّنا نقرنه بالخطيئة بطريقةٍ أو بأخرى, ولذلك استعضنا عن الحبّ نفسه بالتهليل له و حوله, كمن يمسك بتفّاحة, فيتحدّث عنها وعن جمالها ولونها ورائحتها ووزنها, حتّى تفسد في يده دون أن يقطم منها قطمة. وكي أكون صريحاً, أنا نفسي متأثّر بهذا اللاوعي الجمعي, فأنا سأتضايق وقد أثور لو علمت أنّ أختي لو كان لديّ واحدة أو ابنتي قد أحبّت أحدهم, ولو كان ذلك الحبّ بريئاً _وكلّ الحبّ الحقيقي بريء على فكرة_, لأنّ طريقة التفكير الّذي أجبرنا عليها المجتمع في الحبّ ذات اتّجاهٍ واحد وخاطئ. لذلك أعتقد أنّنا جميعاً كمجتمع نحتاج لعلاج نفسي لإيجاد حلّ لهذه المشكلة.
في الموضوع السياسي كالعادة لي بعض التعليقات القليلة , فكما نرى هناك نذر فتن طائفية غبية في لبنان ومصر, موت في العراق واليمن, نقص في الحبوب والقمح على سبيل الجوع في الوطن ككلّ و.. مفاوضات! لا أدري لمَ هذه الكلمة تأتي بصيغة الجمع, ربّما لأنّهم يريدون أن تصل هذه المفاوضات لعدد يبلغ عدد سكّان الوطن العربي فيكون لكلّ مواطن مفاوضة, وجمال الكلمة وجود حرف الضاد فيها, أي كلمة عربية قحّ يعتزّ بها البعض. وهذا غيضٌ من فيض يا أصدقائي.
أعتذر عن رداءة هذا المقال, فقد كتبته على عجل ودون تنقيح, وكما قلت هو لنفض الغبار عن الآلات, وبعون الله غداً سيكون هناك مقال آخر أرجو أن يكون جيّداً عن... جرندايزر!

٨/٠٩/٢٠١٠

معتدل مارش

أشدّ المصطلحات الّتي تستفزّني دوماً وتجعل الدم يتصاعد إلى رأسي هو مصطلح معتدل. ففي أحاديث رئيس الولايات المتّحدة وطاقم إدارته نجد ذكر هذا المصطلح باستفاضة في وصف والتغنّي بجمال بعض الأنظمة و المجموعات و الأفراد في العالم العربي, ولكن أكثر ما يُدهشني هو أنّ من يُطلق عليهم هذا الوصف يرضون به ويعتبرونه إشادة, ويتلقّونه بصدر رحب و بسعادة غامرة, ويعتبر واحدهم أنّه يحقّ له أن يفخرَ _أشدّد على علامة النصب الفتحة_ دون الالتفات لما وراء كلمة "معتدل" من شبهة تبعية وذيلية. وحتّى هذه اللحظة لم أمسك بمعنى "الاعتدال", فهو مصطلح مراوغ متلوّن زئبقي, فهل المقصود أنّ من يُوصف بهذا الوصف قد استيقظ واحتسى فنجان قهوة مع لفافة تبغ _مع ما للتدخين من ضرر_ "فاعتدل" مزاجه وأصبح بشوشاً لا يعكّره شيء؟ أم أنّه "الاعتدال" في تناول الطعام للحفاظ على القوام وتماسك الجسم العربي؟ أم أنّ من يُوصفون بهذا الوصف يعتبرونه إشادة على سبيل أنّ "امشي عِدل يحتار عدوّك فيك" وأن عدوّنا لا ينام الليل من كثرة حيرته؟ أم أنّ مصطلح الاعتدال هنا يأتي من العدل, فهم _"المعتدلون" يعدلون بين العرب وبين العدو الصهيوني, ويتّخذون موقفاً محايداً يحاولون فيه الظهور بمظهر الوسطي العقلاني الحكيم ممسك العصا من المنتصف صاحب النظرة الثاقبة؟ قد أفهم انطباق المعنى الأخير على دول مثل السويد أو تشيلي ولكن على عرب؟! عندما أشاهد بعض البرامج السياسية الّتي تستضيف بعض "السياسيين العرب" يستوقفني بعضهم بمقولة "إنّ حركات المقاومة في العالم العربي هي أذرع تستخدمها إيران"!! وكأنّ الأراضي المحتلّة تقع في قُم أو أصفهان, وأنّنا كعرب أُقحمنا في هذا الصراع دون أن يكون لنا ناقة أو جمل, و أنّه يتوجّب علينا الوقوف موقف المتفرّج المحايد و ربّما الموالي لإسرائيل على سبيل أنّها الجارة أقرب من إيران! لو سلّمنا جدلاً أنّ الاعتدال واجب وجميل وحكيم ومطلوب, فهل هؤلاء حقّاً "معتدلون"؟ هل يقفون حقّاً موقفاً وسطيّاً بين العرب _هم_ وإسرائيل؟ على الأقل لو أرادو أن يكونوا حقّاً "معتدلين" محايدين عليهم أن يتعلّموا من الولايات المتّحدة وأن يمارسوا مع العرب _أنفسهم_ ما تمارسه الولايات المتّحدة مع إسرائيل من "اعتدال", ولكن يبدو حقّاً أنّه تفوّقوا في التعلّم ويمارسون نفس ما تمارسه الولايات المتّحدة مع إسرائيل.لا أدري هل "اعتدالهم" هو خوف أم عدم ثقة بالنفس, أم تسليم بأنّهم لا يستطيعون الاستمرار في الصراع وأنّ العين لا تقاوم المخرز, أم أنّهم كالثعالب وضعوا خطّة استراتيجية, و يتحيّنون الفرصة بمكر للانقضاض على عدوّهم وتمزيقه, ربّما لا أدري هذا, ولكنّي أطلب منهم "كمعتدلين" طيّبين لا ناقة لهم ولا جمل أن يقفوا على الحياد, وأن يدعوا من يستطيع و يريد الاستمرار في طريق استرجاع الحقوق وشأنه, وألاّ يحاولوا أن يضعوا العراقيل أمامه "ليعدّلوا" من مزاجه, لأنّ المزاج "المتعكّر" يكون لطيفاً أحياناً ويعيد إليك حقّك.

٧/٠٧/٢٠١٠

فلنأكل حبّاً

أودّ الكتابة اليوم عن موضوع لطيف, ولكن قبل أن أبدأ الكتابة أريد توجيه الشكر إلى الصديق العزيز زاهر الخطيب على جهوده في المساهمة في إخراج و وضع تصميم هذه المدوّنة, فشكراً لك يا زاهر وبالتوفيق في عملك الجديد ليكون فاتحة خيرٍ إلى أعمال أكثر ازدهاراً, وأريد كذلك شكر شخصٍ معيّن على على مساهمته في فكرة إنشائي لمدوّنة دون حتّى أن يدري, و لستُ في حلٍّ من ذكر اسمه الآن وأتمنّى أن يعلم مدى امتناني له عندما يقرأ هذا. وبالمناسبة أشكرك أنت أيضاً يا عزيزي القارئ.

**إنّ كلمة (حُبّاً) في عنوان المقال مفعول لأجله وليست مفعول به, ولكن لن يضيرنا أبداً أن نأكل الحُبّ**
تستوقفني كثيراً مقولة أنّ "أقصر طريقٍ إلى قلب الرجل معدته", وأحاول دوماً أن أجد تفسيراً لارتباط الحبّ _بمعناه الإنساني بين المرأة والرجل_ بالطعام. فهناك علاقة غريبة بين الحالة العاطفية للشخص وبين شهيّته, فكما نرى أنّ ملتقى العشّاق في فترات الخطوبة _فترة العشق_ هو المطاعم, ومقياس استمرار العشق بعد الزواج هو معدّل خروج الزوجين _غير القسري طبعاً_ معاً, وغالباً ما يكون هذا الخروج إلى المطاعم للأكل. فما سرّ ارتباط العشق والحبّ بالطعام والغذاء؟ في الثقافة الشعبية نصف الفتاة الجميلة بأنّها "حلوة" والحلاوة صفةٌ للطعام مرتبطة بحاسّة الذوق, كما أنّنا في بعض البلدان نصف الشخص الدمث الّذي يدخل القلب "بالمهضوم" أو أنّه "يُشرب مع المياه العكرة" وهي كلّها صفات مرتبطة بالطعام والشراب. وإنّ أكثر أجهزة الجسم تأثّراً بالحالة العاطفية للإنسان هو جهاز الهضم, حيث تُفتح شهيّة المرء عندما يكون مع من يحبّ فيأكل بشهيّة, كما تُسدّ شهيّته ويمتنع لا إرادياً عن الطعام إذا ما أصابته مشكلة عاطفيّة مع محبوبه, كما أنّ مشاكل الهضم من إمساك وعسر هضم ونشوء قرحات معديّة تزداد بازدياد سوء الحالة العاطفية للمرء. وهناك مقولة طبيّة شائعة تقول: إذا أحسّ الشاب بألم في صدره _في قلبه_ فالأرجح أنّها مشكلة هضميّة, وإذا أحسّ الكهل بألم في بطنه _معدته_ فهناك احتمال أن تكون المشكلة قلبيّة! وكما نعلم أنّ الشباب هو فترة ازدهار الحبّ والعشق, فهل حصل خلط عندما رمزوا للحبّ بالقلب؟ إنّ أكثر الهدايا المتبادلة بين العشّاق لها طابع غذائي مثل الشوكولاته وغيرهامن أنواع الحلويّات, حتّى أنّ الرجل عندما يذهب إلى أهل محبوبته ليطلب يدها يجلب معه أحد أنواع الحلويّات, وطبعاً إنّ قدرة العروس على الطبخ مهمّة لخلو العلاقة العائلية بين الزوجين من المشاكل بامتلاء معدة العريس و أهله. و عادةً ما ألحظ وضع العشّاق لرمز القلب بدلاً من حرف ال O على سبيل التحذلق عندما يكتبون كلمة LOVE بالإنجليزية, فهل يتوجّب عليهم كذلك وضع رمزٍ للمعدة بدلاً من حرف ال L؟!
هناك أشعار وأغانٍ كثيرة, يربط فيها الشاعر بشكل لا شعوري بين حالة العشق والهيام لديه وبين حالة (الجوع) لديه, ففي إحدى الأغاني الّتي كتبها الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وغنّاها محمّد رشدي, يذكر الأبنودي الطعام في عزّ حالة الهيام لديه ومناجاته الليل والقمر حيث يقول "آه يا ليل يا قمر, والمنجا طابت ع الشجر" فارتبط نضوج المنجا ومنظرها الّذي يبدو لذيذاً على الأشجار وبين نضوج حبّه وحالة العشق لديه. ولا أظنّ أن الشاعر..... ابتعد كثيراً عن موضوع الطعام عندما كتب أغنية "حبّك نار" لعبد الحليم حافظ, فيبدو أنّ هذه النار موجودة لينضج الطعام فوقها!
حسب اعتقادي أنّ حالة ارتباط الحبّ بالطعام تبدأ مع المرء منذ ولادته, حيث تقوم أمّ الإنسان بإرضاعه وتأمين الطعام له, فيحبّها ويرتبط بها بسبب وجود الغذاء حيثما وُجدتْ, ويستمرّ اختلاط شعوره بالحبّ مع شعوره بالجوع والشهية طوال حياته, حيث تبقى الذكريات مختزنة لديه منذ فترة الرضاعة, وأعتقد كذلك أنّ رمز الحبّ بالقلب أتى من سماع الرضيع لدقّات قلب أمّه خلال الرضاعة واعتقاده أنّ قلب أمّه هو مصدر شبعه وإسكات جوعه. فهل ننتظر اليوم الّّذي سيقول فيه المرء لمحبوبه "أحبّك من كلّ قلبي و معدتي"؟!
طبعاً لا أستطيع الكلام في هذا الموضوع دون التعريج والتطرّق إلى الطابع السياسي للأمر, فمدى حبّ الشعب لحكومته يرتبط بمدى قدرتها على إسكات جوعه, ومدى قصر طريقها إلى معدته, ومدى قصر الصفوف والطوابير الّتي يقف فيها هذا الشعب للحصول على قوته وطعامه, ويا حبّذا لو كانت هذه الطوابير أقصر من طول أمعائه ولو كانت الطريق إلى معدته تحفظ كرامته في الداخل والخارج, فأغلب ثورات وانتفاضات الشعوب كانت ضدّ الجوع, وصراخهم نابع من صراخات معداتهم, والمقولة الأصدق في رأيي الّتي لن أستغرب سماعها هي "أقصر طريق إلى قلب وعقل الشعب هو معدته".

٧/٠٤/٢٠١٠

سكّة السلامة

هناك اعتقاد خاطئ عند كثيرين منّا أنّه "كما تكونوا يولّى عليكم", و أنّ الشعب الرخو الجاهل يُفرز قيادةً مريضةً لا تكون مهيّأة ولا قادرة على القيام بدورها في المضيّ بنجاح في مسيرة هذا الشعب أو تلك الأمّة. بدايةً أنا لا أرى أنّ هناك أمماً وشعوباً رخوة جاهلة و شعوباً قويّة مستنيرة, فالأمم هي الأمم مهما اختلفت ثقافاتها فهي لا تختلف في الخصائص الأساسية المشتركة بين جميع الأمم من حيث كونها جماعات بشرية يحكمها الوعي واللاوعي الجمعي و من حيث مدى تأثّرها وتفاعلها مع محيطها ومع نفسها وقابليّتها للتطوّر, وهذا ما يقودنا إلى التساؤل عن السبب الّذي يجعل وفي فترة معيّنة من الزمن أمماً تتقدّم ثقافياً و علمياً واقتصادياً وعسكرياً على أممٍ أخرى رغم أنّ خصائص الأمم من حيث قابليّتها للتطوّر واحدة.
لديّ نظريّة وتصوّر عن هذا الموضوع وهي أنّ الأمّة تشبه القطار, حيث له وجهة محدّدة من خلال سيره على سكّة ذات اتّجاه واحد, ويتألّف هذا القطار من قاطرة _دينمو_ وهي القيادة ومقطورة وهي بقيّة الأمّة, وبما أنّ وجهة القطار محدّدة سلفاً فإنّ قاطرته أو قيادته هي من تتحكّم بسرعة توجّهه إلى هذه الوجهة ويمكنها أن توقفه كذلك أو تسير به إلى الخلف, أو حتّى تنقلب به وتعطبه و تُفنيه, ومن هنا أرى أنّ العامل الأساسي في نهضة أيّ أمّة هو قيادتها أو رأسها, فمهما بدت الأمّة واهنة و ضعيفة, ما أن تظهر فيها القيادة المناسبة تُبدي تطوّراً في جميع المجالات, لأنّ القيادة هي من تلهم شعب وأفراد هذه الأمّة, فالجماعات البشرية تحتاج دوماً وبشكل غريزي إلى من يقودها ويلهمها وينظّمها, ويرسم أحلامها, ويحدّد لها نمط مسيرتها وتطوّرها وذلك بسبب تفاوت تفكير أفراد هذه الأمّة, فيحتاجون إلى فكر موحّد ناظم. ما يساعد في فهم هذا التصوّر هو متابعة تطوّر الأمم عبر التاريخ وأوقات ازدهارها وانحطاطها, فلو نظرنا أوّلاً إلى وضعنا كعرب وكأمّة عربية قبل ظهور الرسول محمّد عليه الصلاة والسلام, نجد أنّ العرب لم يكونوا يشكّلون أمّة بالمعنى الحقيقي, بل كانوا مجموعة من القبائل تتوزّع في منطقة شبه الجزيرة العربيّة, وكان اقتصادهم يتوزّع بين الرعي والتجارة الفردية, وحياتهم الثقافية تتلخّص في بعض الندوات الشعرية, وحياتهم العسكرية ملخّصها بعض الحروب والغزوات بين بعضهم البعض. وكانت معظم القبائل تابعة أو تدور في فلك الدول الكبرى حينها مثل الغساسنة التابعين لدولة الروم, والمناذرة التابعين لدولة الفرس, ولكن ظهور القائد حينها وهو الرسول الكريم وما حمله من فكر ورؤية وإرادة على النهوض بهذه الأمّة, جعلها تنهض عسكريّاً وثقافيّاً وسياسيّاً واقتصادياً لأنّه ألهم أفراد هذه الأمّة ووجّههم نحو هدف, ربّما قال البعض أنّ القوّة والقدرة الإلهية كانت معه وساعدته وحقّقت له رؤيته, ولكن حين نتعمّق في هذه المسألة نجد أنّ الله قادر على تحقيق ذلك في دقيقة وبفاعليّة كن فيكون, ولكنّ الله أراد فقط أن يضع الإرادة والرؤيا في رسوله الّذي سخّرهما لينتشل أمّة من الحضيض, ونحن نرى أنّ الناس بعد بعثة الرسول هم نفسهم كانوا قبل بعثته ولكن ما تغيّر هو القيادة والقاطرة الّتي تسيّر القطار وجعلته يتقدّم. كما نرى أنّ نهضات وانكسارات الأمّة العربية والدولة الإسلامية على مدى تاريخها ترتبط بمدى فاعليّة قيادتها, فبقوّة القيادة واستنارتها قويت وبضعفها وجهلها ضعفت. وعندما ننظر إلى التاريخ الغربي نرى أنّ التطوّر الحاصل الآن هناك سببه أنّ الغرب في القرون القليلة الماضية حكمه بعض الحكّام الأقوياء والّذين يبحثون عن مصالح شعوبهم وأممهم, وليس ذلك فحسب بل إنّ هؤلاء الحكّام طوّروا على مدى تتابعهم قوانين وأسس تؤدّي إلى مجيء قيادات قويّة تهتمّ بمصالح هذه الأمم عن طريق اختيار الشعوب لهذه القيادات, فأصبح همّ هذه القيادات النهوض بهذه الأمم لإرضاء من يأتي بهم إلى الحكم, فمن لا يكون قادراً على النهوض بالأمّة لا يحكم. في العصر الحديث وخلال ربّما الخمسمئة سنة الماضية حكم العرب القليل جدّاً من الحكّام الّذين كان لديهم هدف النهوض بالأمّة, ربّما بداية بمحمّد علي في مصر الّذي لم يكن عربياً ولكنّه فعلاً حاول النهوض بالأمّة العربية من خلال محاولته السيطرة على الحجاز وشبه الجزيرة وبلاد الشام من يد العثمانيين انطلاقاً من مصر بقيادة ابنه إبراهيم, ولكنّ مشروعه انكفأ بسبب تظافر جميع القوى الخارجية ضدّه وعدم رغبتها في قيام كيان جديد قويّ يجعلها تعيد حساباتها, و بسبب غضّ محمّد علي نفسه النظر عن مشروعه الكبير في سبيل الاحتفاظ بحكم مصر فقط له ولسلالته من بعده. وربّما يختلف معي البعض على أنّ جمال عبد الناصر يمثّل قيادة تاريخية للأمّة العربية ككلّ, وذلك بسبب التشويه الّذي تعرّض له الرجل في العقود الّتي تلت وفاته, فعبد الناصر كان لديه الرؤيا والهدف في أنّ هذه الأمّة يجب أن تنهض عن طريق المشروع الوحدوي, واستغلّ عبد الناصر كاريزمته في حثّ أفراد الشعب العربي من المحيط إلى الخليج للإيمان أنّ الطريق الوحيد للنهضة هو الوحدة, وكان لدوره على امتداد الوطن العربي والعالم أيضاً عن طريق منظّمة الحياد الإيجابي ودعم حركات التحرّر عميق الأثر في قلق الدول المهيمنة من جدّية مشروعه و من أنّه فعلاً قائد محبوب ومؤثّر على مستوى الأغلبية الساحقة من الشعب العربي, وكان أيضاً لإمكانات مصر البشرية وموقعها دورٌ في هذا, مع ترتيب الخارطة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية, فأرادت هذه الدول أن تجهض مشروعه, وفعلاً كادت أن تفعل سنة 1967 ولكنّ لأنّ أفراد الأمّة كانوا يؤمنون بمشروعه الوحدوي النهضوي لم يسقط هذا المشروع تماماً وحاول النهوض به من جديد في السنوات الثلاث قبل وفاته, ولكنّ هذا المشروع تجمّد مع رحيله, وذلك لأنّ أكبر أخطاء وخطايا عبد الناصر أنّه لم يضع منهج و أسس لاختيار القادة الّذين يعبّرون عن أفكار أمّة قويّة و يعملون لنهضتها.
وهكذا أرى أنّ قيادات الأمم هي مفتاح نهضتها وقوّتها, وكلّما كانت هذه القيادات تعبّر عن أفكار شعوبها وملتصقة بها أكثر و خارجة من رحمها, كلّما كانت تعمل على نهضة الأمّة وإخراجها من بوتقة الحضيض عن طريق وضع أهداف لهذه الأمّة. و يجب أن تُوضع أسس لظهور قيادات من ذلك النوع على مستوى العالم العربي, تقوم بإلهامنا نحن العرب للتوحّد والنهوض, لأنّ التشرذم هو أحد أهمّ أسباب سقطاتنا و ضعفنا, وحتّى لا يُقال لنا يوماً "كما تكونوا يولّى عليكم", وكي يصل القطار إلى محطّته سالماً و في موعده تماماً, فهناك أجيال أخرى بانتظاره.

٧/٠٣/٢٠١٠

عناصر 2

إهداء لروح المفكّر الدكتور عبد الوهّاب المسيري في ذكرى رحيله

"أنا أحبّ السود"! هذه أكثر العبارات عنصريّةً يمكن أن تُقال. قائلها يعتبر نفسه في مرتبة أعلى ولكن قلبه الرقيق وفائض رحمته يمنّان علينا بحبّه لداكني البشرة أو للآخر. من يميّز في تعامله مع الآخر سواء بطريقة سلبية أو إيجابية يُعتبر في نظري عنصري, فالآخر رغم اختلافه عنك في الشكل فهو إنسان مثلك, في نفس المرتبة, يمكنك أن تحبّه وتكرهه لشخصه, لا لعرقه أو جنسه, أي أنّ الإنسان السليم بفطرته يحبّ ويكره أفراد لا جماعات وأعراق.
ننتقلّ لمشكلتنا كعرب, فبسبب انتشار الجهل المقنّع في وطننا العربيّ, انتشرت النظرة النمطيّة المسبقة والرأي النمطي في عيون و عقول معظم العرب, فأصبح لديهم رأي في كلّ شيء دون معرفة كافية وفي غياب كامل للوعي ودون توافر أساس من المعلومات يمكن أن يُبنى عليه رأيٌ صحيح, فالرأي النمطي العنصري منتشر بين بعض العرب بشكل كبير ضدّ شعوبٍ أخرى, حيث بات بعض العرب الآن يعتبرون أنفسهم الأمّة العظمى والفضلى, وأنّهم يتكرّمون حين يحبّون شعوباً أخرى وكأنّهم يقولون لهم: أنتم شعبٌ أقلّ منّا منزلة ومرتبة ونحن شعبٌ عظيم حبانا الله بعطايا ليست لديكم ولكن رغم ذلك نحن سنهبكم شرف حبّنا لكم! لا أدري ماهوالمنطق الّذي جعل بعض العرب يعتبرون أنفسهم خير الأمم, وحين تسأل يقول بعضهم: حبانا الله بنعمة الإسلام لذا فنحن خير الأمم. ولا أدري كيف يحتكر بعض العرب الإسلام وكأنّ الإسلام أنزله الله للعرب فقط ليعتبروا أنفسم شعب الله المختار, فبالمناسبة لا يشكّل العرب من 25% من مسلمي العالم, ناهيك عن وجود عرب يتّبعون أديان سماوية أخرى, وليست هذه هي المشكلة فحسب ولكن هل حفظ العرب نعمة الإسلام الّتي حباهم بها الله؟ كما نرى فإنّ أكثر العرب تركوا جوهر الإسلام واستماتوا في التمسّك بقشوره. وتسأل بعضاً آخر من العرب عن سبب شعورهم بالتفوّق فيقولون: لدينا قيم ليست عند شعوب العالم الأخرى مثل التمسّك بالعائلة وإكرام الضيف!! وهل شعوب العالم الأخرى ليست لديها قيم عائلية؟ إذا كانت العائلة العربية تجتمع في الأعياد, كذلك العائلة الغربية تجتمع في الأعياد, وأعياد الغرب أكثر. وإذا كانت العائلة العربية متماسكة كما يقولون, فالعائلات في شرق آسيا متماسكة أكثر وأفرادها يعيشون معاً من الجدّ إلى الحفيد, ويحتفظون بذكرى أمواتهم من العائلة. أمّا بالنسبة لإكرام الضيف, فيبدو أنّه اختلط لدينا مع إكرام المحتلّ ولا أريد القول أكثر.
لو قمنا بالبحث سنجدّ أنّ الميديا العربية الّتي أصبحت للأسف منبع ثقافتنا هي أكثر الميديا عنصريّةً في العالم, فالأفلام والبرامج السطحيّة لدينا تحاول بكلّ السبل الانتقاص من الآخر بطريقة فجّة وإشعارنا بأنّنا متفوّقون وأنّنا أفضل الأمم, وبأنّنا في خير حال و "ما في مثلنا و مفيش زيّنا!", وهذا أخطر وضع يمكن أن تمرّ به أمّة حين تكون في طريقها إلى السقوط وتكون راضية عن نفسها, وهنا تتوقّف حتّى عن محاولة التطوّر والنهوض ولا تشعر بنفسها إلا وهي في القاع.
سننهض كأمّة عندما نتخلّى كعرب عن النعرة الكاذبة بالتفوّق الديني والأخلاقي, فكما أرى أنّنا أصبحنا راضين عن أنفسنا ولكن دون أيّ ثقة بها, حيث أنّنا نعتبر وضعنا مزري ولكنّنا راضون عنه رضاً تامّاً! فللنهوض يتوجّب علينا أوّلاً معرفة قدرنا بين الأمم الآن والتخلّي عن عنصريّتنا وشعورنا بالتفوّق الكاذب, ومعرفة مكامن أخطائنا و قصورنا لنحاول التدارك ولنكون فعلاً جديرين بأن نقول عن أنفسنا أنّنا نحمل راية الإنسانية والأخلاق الّتي هي روح الدين.
لاحقاً عندما تسنح الفرصة سأتكلّم عن العنصرية الداخلية بين العرب, واعتبار كلّ أنّها "زمرة الله المختارة".

٦/٢٣/٢٠١٠

عناصر 1

إنّ تنوّع شعوب العالم يخلقه اختلافهم في العديد من النواحي منها الدينية والثقافية والشكلية, والسبب الرئيس لهذا هو اختلاف البيئة المحيطة بكلّ شعب من هذه الشعوب, فالبيئة هي المشكّل للثقافة والبنية الشكلية للجماعة, والبيئة تؤثّر في تفكيرها الديني كذلك, مثلما أحال بعض القدماء الظواهر الطبيعية غير المفهومة إلى سبب ديني مثل اعتقاد المصريين القدماء أنّ فيضان النيل سببه دموع إيزيس, واعتقاد الإغريق القدماء أنّ البرق هو سهام زيوس يطلقها عند غضبه, وكذلك اختلاف شكل الجحيم في عقائد الجماعات باختلاف بيئتها. وللبيئة دور أساسي في تشكيل الصفات الظاهرية للجماعات, كالزوائد الموجودة في عيون شعوب شرق و وسط آسيا والتي تعطيها شكلها المميّز, وسبب وجودها هو البيئة حيث تقلّل هذه الزوائد كميّة الأشعة فوق البنفسجية التي تدخل العين والتي تكون بنسب عالية صيفاً في تلك المناطق, وتقوم بحماية العين من البرد القارس في تلك المناطق والّذي يصل إلى عشرات الدرجات تحت الصفر و من الرياح الشديدة المستمرّة معظم أيام السنة. وكذلك اللون الداكن المميِّز لبشرة الجماعات القاطنة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا سببه توافر مادّة الميلانين بنسب عالية في بشرتهم وهذه المادّة تقوم بحماية الجلد من آثار الأشعة فوق البنفسجية التي تسبّب طفرات في الجلد تؤدي إلى أنواع من السرطان, وبحكم تواجد تلك المناطق قرب خطّ الاستواء تنال نسب عالية من الأشعة فوق البنفسجية فحمايةً لقاطنيها ازدادت نسبة الميلانين في بشرتهم ممّا أكسبهم اللون الداكن عكس قاطني المناطق البعيدة عن خط الاستواء الذين تقل عندهم نسب الميلانين بسبب عدم توافر أشعة الشمس لفترات كافية من العام. كما ثبت أنّ البشرة الّتي تحتوي على نسبة أكبر من الميلانين تكون أكثر مقاومة للسع الحشرات المتوافرة بكثرة في مناطق إفريقيا. هذه الصفات الشكلية المختلفة عند الجماعات ما هي إلا طفرات حميدة في جينات الجماعة أوجدها الله لتقوم بدور في استمرار الجماعة في البيئة التي تعيش فيها
كلّ الاختلافات بين الجماعات البشرية هي اختلافات شكلية أو ثقافية فقط, وأعني بثقافية هنا طريقة الحياة والاستمرار في ظروف البيئة المحيطة, ولكن لا يوجد أي فرق في القدرات العقلية والنفسية بين أيٍّ من الجماعات البشرية على وجه الأرض, حتّى تجارب الألمان في الحقبة النازية لم تستطع إثبات وجود اختلافات عقلية بين الجماعات المختلفة. و الاختلافات في التطوّر بين هذه الجماعات مردّه إلى أنّ الجماعات المتطوّرة أكثر من غيرها اعتمدت بمعظمها منهجاً وطريقة حياة أدّت إلى تطوّرها, فكما نرى تاريخياً فمناطق التطوّر و الحضارة وأقطابها تختلف باختلاف الزمن, فتارة هي في غرب آسيا أوشرقها, وتارة في إفريقيا أو أوروبا أو أمريكا الجنوبية أو الشمالية, وطبعاً ليس سبب التطوّر هو جماعة واحدة تهاجر بين هذه المناطق بل هو منهجيّة الجماعة القاطنة في المنطقة في هذه الفترة من التاريخ. ممّا سبق نرى أنه لا يوجد هناك اختلاف عقلي أو فكري بين أيّ جماعة وأخرى, والاختلاف هو فقط في الشكل وبعض العادات المكتسبة من خلال الحياة في البيئة المحيطة, وهذا يطرح سؤالاً: من أين تأتي العنصرية؟ فمازالت العنصرية تتغلغل في بعض أفراد بعض الجماعات ممّا يؤدّي إلى صدام حضاري واعتقاد بعض الجماعات أنّها أرقى من جماعات أخرى. وما يهمّني هنا استشراء العنصرية في العالم العربي بشكل كبير, واستشراء عنصرية العرب بين بعضهم البعض مع التعريج على داء الطائفية, وهذا سيكون حديثي في الأيام المقبلة إن شاء الله

٦/٢٢/٢٠١٠

الربع الخالي


ربّما لن يهتم أحدٌ لقراءة كلام يكتبه شخصٌ ما ليعبّر عمّا في داخله من أفكار وهموم شخصية, فلكلّ إنسان أفكاره و تجربته الشخصية الّتي تغنيه عن إضاعة وقته في قراءة تجارب الآخرين وأفكارهم. وأعتقد أنّ قارئي هذا الكلام لن يتجاوزوا نصف أصابع اليد الواحدة بمن فيهم أنا
إنّ ربع قرن من الزمن مدّة طويلة جدّاً, عدد كبير جدّاً من الأيّام ومياه تكفي لإغراق المريّخ مرّت من تحت الجسور, ولو أخذنا بالمعدّلات الطبيعية لحياة الفرد فقد عشت أكثر من ثلث عمري. وإن حوّلت هذه المدّة إلى مادّة, أجد أنّني لم أحقّق شيئاً على الإطلاق, ربع قرن من اللاشيء, يبدو هذا مخيفاً. فعندما أنظر خلفي أرى أنّني لم أُسعد أيّ شخص ولم أسعى أنا نفسي خلف السعادة كما يرى الدستور الأمريكي. كلّ ما زرعته في الخمس والعشرين سنة الماضية هو بعض الأفكار والأحلام وكنت أنسى في أكثر الأحيان سقايتها حتّى كادت في مرّات كثيرة تذبل وتموت, وأنا أومن أنّ بموت أحلام الإنسان تموت روحه وبالتالي يصبح جهازاً ينتظر قرار إنهاء خدمته لعدم توافر قطع الغيار. حضرتُ عزاء أحلام معظم من حولي, وأحلام معظم الناس تقلّصت إلى حلم الحياة فقط بانتظار الموت, فتحوّل هؤلاء من أنهر إلى بِرك راكدة تنمو فيها مختلف أنواع الطفيليّات والحشرات, فيُضرب جوهر الإنسان وتتوقّف مسيرة التطوّر الإنساني فيهم فيعيقون تطوّر أجيال وأمم. كم أخشى موت أحلامي ولحاقي بهؤلاء في أمل أن تضع أفخر أنواع الحشرات بيوضها في بركتي. رغم أنّ أحلامي مازالت موجودة ولكنّي أخشى أنّ عدم اكتراثي بها سيبقيها أحلاماً, تموت وتنتهي مع الزمن, فالأحلام تحتاج إلى الخروج من الشرنقة وفرد الأجنحة والطيران, أعتقد أنّ ربع قرن من الأحلام والأفكار في الشرنقة كافية جدّاً, وجاء الوقت الّذي أعمل فيه على أن تصبح هذه الأحلام ذكريات حيّة عندما أنظر خلفي بعد ربع قرنٍ آخر. على كلّ إنسان أن يبذل كلّ ما بوسعه كي يحقّق آماله فبهذه الطريقة يخدم تطوّره وتطوّر وطنه ويحافظ على إنسانيته. بالنسبة لي عندما أرى أنّني لازلت بعد ربع قرن من اللاشيء محتفظاً بأحلامي ولازلت أريد تحقيقها أجد أنّ المستقبل لا يبدو مخيفاً لهذه الدرجة, وسيكون هذا المستقبل كما أريده. هذا على الصعيد الشخصي, أمّا العام فدعنا منه الآن فله كلام كثير آخر. بالنسبة لي انتهى عصر الأحلام المجرّدة وبدأ عصر تحقيق هذه الأحلام ببذل الجهد الّذي لم أبذله طوال هذه سنوات فأنا لا أريد أن أكون برِْكة وأحلامي تريد أن تكون واقعاً, آن للنهر أن يجد له مصبّاً, وكل ربع قرن و أنتم وأنا طيّبون

٦/٠٧/٢٠١٠

Launch

عشرة أيّام ونستهلّ الكتابة
10 days to go