٧/٠٧/٢٠١٠

فلنأكل حبّاً

أودّ الكتابة اليوم عن موضوع لطيف, ولكن قبل أن أبدأ الكتابة أريد توجيه الشكر إلى الصديق العزيز زاهر الخطيب على جهوده في المساهمة في إخراج و وضع تصميم هذه المدوّنة, فشكراً لك يا زاهر وبالتوفيق في عملك الجديد ليكون فاتحة خيرٍ إلى أعمال أكثر ازدهاراً, وأريد كذلك شكر شخصٍ معيّن على على مساهمته في فكرة إنشائي لمدوّنة دون حتّى أن يدري, و لستُ في حلٍّ من ذكر اسمه الآن وأتمنّى أن يعلم مدى امتناني له عندما يقرأ هذا. وبالمناسبة أشكرك أنت أيضاً يا عزيزي القارئ.

**إنّ كلمة (حُبّاً) في عنوان المقال مفعول لأجله وليست مفعول به, ولكن لن يضيرنا أبداً أن نأكل الحُبّ**
تستوقفني كثيراً مقولة أنّ "أقصر طريقٍ إلى قلب الرجل معدته", وأحاول دوماً أن أجد تفسيراً لارتباط الحبّ _بمعناه الإنساني بين المرأة والرجل_ بالطعام. فهناك علاقة غريبة بين الحالة العاطفية للشخص وبين شهيّته, فكما نرى أنّ ملتقى العشّاق في فترات الخطوبة _فترة العشق_ هو المطاعم, ومقياس استمرار العشق بعد الزواج هو معدّل خروج الزوجين _غير القسري طبعاً_ معاً, وغالباً ما يكون هذا الخروج إلى المطاعم للأكل. فما سرّ ارتباط العشق والحبّ بالطعام والغذاء؟ في الثقافة الشعبية نصف الفتاة الجميلة بأنّها "حلوة" والحلاوة صفةٌ للطعام مرتبطة بحاسّة الذوق, كما أنّنا في بعض البلدان نصف الشخص الدمث الّذي يدخل القلب "بالمهضوم" أو أنّه "يُشرب مع المياه العكرة" وهي كلّها صفات مرتبطة بالطعام والشراب. وإنّ أكثر أجهزة الجسم تأثّراً بالحالة العاطفية للإنسان هو جهاز الهضم, حيث تُفتح شهيّة المرء عندما يكون مع من يحبّ فيأكل بشهيّة, كما تُسدّ شهيّته ويمتنع لا إرادياً عن الطعام إذا ما أصابته مشكلة عاطفيّة مع محبوبه, كما أنّ مشاكل الهضم من إمساك وعسر هضم ونشوء قرحات معديّة تزداد بازدياد سوء الحالة العاطفية للمرء. وهناك مقولة طبيّة شائعة تقول: إذا أحسّ الشاب بألم في صدره _في قلبه_ فالأرجح أنّها مشكلة هضميّة, وإذا أحسّ الكهل بألم في بطنه _معدته_ فهناك احتمال أن تكون المشكلة قلبيّة! وكما نعلم أنّ الشباب هو فترة ازدهار الحبّ والعشق, فهل حصل خلط عندما رمزوا للحبّ بالقلب؟ إنّ أكثر الهدايا المتبادلة بين العشّاق لها طابع غذائي مثل الشوكولاته وغيرهامن أنواع الحلويّات, حتّى أنّ الرجل عندما يذهب إلى أهل محبوبته ليطلب يدها يجلب معه أحد أنواع الحلويّات, وطبعاً إنّ قدرة العروس على الطبخ مهمّة لخلو العلاقة العائلية بين الزوجين من المشاكل بامتلاء معدة العريس و أهله. و عادةً ما ألحظ وضع العشّاق لرمز القلب بدلاً من حرف ال O على سبيل التحذلق عندما يكتبون كلمة LOVE بالإنجليزية, فهل يتوجّب عليهم كذلك وضع رمزٍ للمعدة بدلاً من حرف ال L؟!
هناك أشعار وأغانٍ كثيرة, يربط فيها الشاعر بشكل لا شعوري بين حالة العشق والهيام لديه وبين حالة (الجوع) لديه, ففي إحدى الأغاني الّتي كتبها الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وغنّاها محمّد رشدي, يذكر الأبنودي الطعام في عزّ حالة الهيام لديه ومناجاته الليل والقمر حيث يقول "آه يا ليل يا قمر, والمنجا طابت ع الشجر" فارتبط نضوج المنجا ومنظرها الّذي يبدو لذيذاً على الأشجار وبين نضوج حبّه وحالة العشق لديه. ولا أظنّ أن الشاعر..... ابتعد كثيراً عن موضوع الطعام عندما كتب أغنية "حبّك نار" لعبد الحليم حافظ, فيبدو أنّ هذه النار موجودة لينضج الطعام فوقها!
حسب اعتقادي أنّ حالة ارتباط الحبّ بالطعام تبدأ مع المرء منذ ولادته, حيث تقوم أمّ الإنسان بإرضاعه وتأمين الطعام له, فيحبّها ويرتبط بها بسبب وجود الغذاء حيثما وُجدتْ, ويستمرّ اختلاط شعوره بالحبّ مع شعوره بالجوع والشهية طوال حياته, حيث تبقى الذكريات مختزنة لديه منذ فترة الرضاعة, وأعتقد كذلك أنّ رمز الحبّ بالقلب أتى من سماع الرضيع لدقّات قلب أمّه خلال الرضاعة واعتقاده أنّ قلب أمّه هو مصدر شبعه وإسكات جوعه. فهل ننتظر اليوم الّّذي سيقول فيه المرء لمحبوبه "أحبّك من كلّ قلبي و معدتي"؟!
طبعاً لا أستطيع الكلام في هذا الموضوع دون التعريج والتطرّق إلى الطابع السياسي للأمر, فمدى حبّ الشعب لحكومته يرتبط بمدى قدرتها على إسكات جوعه, ومدى قصر طريقها إلى معدته, ومدى قصر الصفوف والطوابير الّتي يقف فيها هذا الشعب للحصول على قوته وطعامه, ويا حبّذا لو كانت هذه الطوابير أقصر من طول أمعائه ولو كانت الطريق إلى معدته تحفظ كرامته في الداخل والخارج, فأغلب ثورات وانتفاضات الشعوب كانت ضدّ الجوع, وصراخهم نابع من صراخات معداتهم, والمقولة الأصدق في رأيي الّتي لن أستغرب سماعها هي "أقصر طريق إلى قلب وعقل الشعب هو معدته".

٧/٠٤/٢٠١٠

سكّة السلامة

هناك اعتقاد خاطئ عند كثيرين منّا أنّه "كما تكونوا يولّى عليكم", و أنّ الشعب الرخو الجاهل يُفرز قيادةً مريضةً لا تكون مهيّأة ولا قادرة على القيام بدورها في المضيّ بنجاح في مسيرة هذا الشعب أو تلك الأمّة. بدايةً أنا لا أرى أنّ هناك أمماً وشعوباً رخوة جاهلة و شعوباً قويّة مستنيرة, فالأمم هي الأمم مهما اختلفت ثقافاتها فهي لا تختلف في الخصائص الأساسية المشتركة بين جميع الأمم من حيث كونها جماعات بشرية يحكمها الوعي واللاوعي الجمعي و من حيث مدى تأثّرها وتفاعلها مع محيطها ومع نفسها وقابليّتها للتطوّر, وهذا ما يقودنا إلى التساؤل عن السبب الّذي يجعل وفي فترة معيّنة من الزمن أمماً تتقدّم ثقافياً و علمياً واقتصادياً وعسكرياً على أممٍ أخرى رغم أنّ خصائص الأمم من حيث قابليّتها للتطوّر واحدة.
لديّ نظريّة وتصوّر عن هذا الموضوع وهي أنّ الأمّة تشبه القطار, حيث له وجهة محدّدة من خلال سيره على سكّة ذات اتّجاه واحد, ويتألّف هذا القطار من قاطرة _دينمو_ وهي القيادة ومقطورة وهي بقيّة الأمّة, وبما أنّ وجهة القطار محدّدة سلفاً فإنّ قاطرته أو قيادته هي من تتحكّم بسرعة توجّهه إلى هذه الوجهة ويمكنها أن توقفه كذلك أو تسير به إلى الخلف, أو حتّى تنقلب به وتعطبه و تُفنيه, ومن هنا أرى أنّ العامل الأساسي في نهضة أيّ أمّة هو قيادتها أو رأسها, فمهما بدت الأمّة واهنة و ضعيفة, ما أن تظهر فيها القيادة المناسبة تُبدي تطوّراً في جميع المجالات, لأنّ القيادة هي من تلهم شعب وأفراد هذه الأمّة, فالجماعات البشرية تحتاج دوماً وبشكل غريزي إلى من يقودها ويلهمها وينظّمها, ويرسم أحلامها, ويحدّد لها نمط مسيرتها وتطوّرها وذلك بسبب تفاوت تفكير أفراد هذه الأمّة, فيحتاجون إلى فكر موحّد ناظم. ما يساعد في فهم هذا التصوّر هو متابعة تطوّر الأمم عبر التاريخ وأوقات ازدهارها وانحطاطها, فلو نظرنا أوّلاً إلى وضعنا كعرب وكأمّة عربية قبل ظهور الرسول محمّد عليه الصلاة والسلام, نجد أنّ العرب لم يكونوا يشكّلون أمّة بالمعنى الحقيقي, بل كانوا مجموعة من القبائل تتوزّع في منطقة شبه الجزيرة العربيّة, وكان اقتصادهم يتوزّع بين الرعي والتجارة الفردية, وحياتهم الثقافية تتلخّص في بعض الندوات الشعرية, وحياتهم العسكرية ملخّصها بعض الحروب والغزوات بين بعضهم البعض. وكانت معظم القبائل تابعة أو تدور في فلك الدول الكبرى حينها مثل الغساسنة التابعين لدولة الروم, والمناذرة التابعين لدولة الفرس, ولكن ظهور القائد حينها وهو الرسول الكريم وما حمله من فكر ورؤية وإرادة على النهوض بهذه الأمّة, جعلها تنهض عسكريّاً وثقافيّاً وسياسيّاً واقتصادياً لأنّه ألهم أفراد هذه الأمّة ووجّههم نحو هدف, ربّما قال البعض أنّ القوّة والقدرة الإلهية كانت معه وساعدته وحقّقت له رؤيته, ولكن حين نتعمّق في هذه المسألة نجد أنّ الله قادر على تحقيق ذلك في دقيقة وبفاعليّة كن فيكون, ولكنّ الله أراد فقط أن يضع الإرادة والرؤيا في رسوله الّذي سخّرهما لينتشل أمّة من الحضيض, ونحن نرى أنّ الناس بعد بعثة الرسول هم نفسهم كانوا قبل بعثته ولكن ما تغيّر هو القيادة والقاطرة الّتي تسيّر القطار وجعلته يتقدّم. كما نرى أنّ نهضات وانكسارات الأمّة العربية والدولة الإسلامية على مدى تاريخها ترتبط بمدى فاعليّة قيادتها, فبقوّة القيادة واستنارتها قويت وبضعفها وجهلها ضعفت. وعندما ننظر إلى التاريخ الغربي نرى أنّ التطوّر الحاصل الآن هناك سببه أنّ الغرب في القرون القليلة الماضية حكمه بعض الحكّام الأقوياء والّذين يبحثون عن مصالح شعوبهم وأممهم, وليس ذلك فحسب بل إنّ هؤلاء الحكّام طوّروا على مدى تتابعهم قوانين وأسس تؤدّي إلى مجيء قيادات قويّة تهتمّ بمصالح هذه الأمم عن طريق اختيار الشعوب لهذه القيادات, فأصبح همّ هذه القيادات النهوض بهذه الأمم لإرضاء من يأتي بهم إلى الحكم, فمن لا يكون قادراً على النهوض بالأمّة لا يحكم. في العصر الحديث وخلال ربّما الخمسمئة سنة الماضية حكم العرب القليل جدّاً من الحكّام الّذين كان لديهم هدف النهوض بالأمّة, ربّما بداية بمحمّد علي في مصر الّذي لم يكن عربياً ولكنّه فعلاً حاول النهوض بالأمّة العربية من خلال محاولته السيطرة على الحجاز وشبه الجزيرة وبلاد الشام من يد العثمانيين انطلاقاً من مصر بقيادة ابنه إبراهيم, ولكنّ مشروعه انكفأ بسبب تظافر جميع القوى الخارجية ضدّه وعدم رغبتها في قيام كيان جديد قويّ يجعلها تعيد حساباتها, و بسبب غضّ محمّد علي نفسه النظر عن مشروعه الكبير في سبيل الاحتفاظ بحكم مصر فقط له ولسلالته من بعده. وربّما يختلف معي البعض على أنّ جمال عبد الناصر يمثّل قيادة تاريخية للأمّة العربية ككلّ, وذلك بسبب التشويه الّذي تعرّض له الرجل في العقود الّتي تلت وفاته, فعبد الناصر كان لديه الرؤيا والهدف في أنّ هذه الأمّة يجب أن تنهض عن طريق المشروع الوحدوي, واستغلّ عبد الناصر كاريزمته في حثّ أفراد الشعب العربي من المحيط إلى الخليج للإيمان أنّ الطريق الوحيد للنهضة هو الوحدة, وكان لدوره على امتداد الوطن العربي والعالم أيضاً عن طريق منظّمة الحياد الإيجابي ودعم حركات التحرّر عميق الأثر في قلق الدول المهيمنة من جدّية مشروعه و من أنّه فعلاً قائد محبوب ومؤثّر على مستوى الأغلبية الساحقة من الشعب العربي, وكان أيضاً لإمكانات مصر البشرية وموقعها دورٌ في هذا, مع ترتيب الخارطة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية, فأرادت هذه الدول أن تجهض مشروعه, وفعلاً كادت أن تفعل سنة 1967 ولكنّ لأنّ أفراد الأمّة كانوا يؤمنون بمشروعه الوحدوي النهضوي لم يسقط هذا المشروع تماماً وحاول النهوض به من جديد في السنوات الثلاث قبل وفاته, ولكنّ هذا المشروع تجمّد مع رحيله, وذلك لأنّ أكبر أخطاء وخطايا عبد الناصر أنّه لم يضع منهج و أسس لاختيار القادة الّذين يعبّرون عن أفكار أمّة قويّة و يعملون لنهضتها.
وهكذا أرى أنّ قيادات الأمم هي مفتاح نهضتها وقوّتها, وكلّما كانت هذه القيادات تعبّر عن أفكار شعوبها وملتصقة بها أكثر و خارجة من رحمها, كلّما كانت تعمل على نهضة الأمّة وإخراجها من بوتقة الحضيض عن طريق وضع أهداف لهذه الأمّة. و يجب أن تُوضع أسس لظهور قيادات من ذلك النوع على مستوى العالم العربي, تقوم بإلهامنا نحن العرب للتوحّد والنهوض, لأنّ التشرذم هو أحد أهمّ أسباب سقطاتنا و ضعفنا, وحتّى لا يُقال لنا يوماً "كما تكونوا يولّى عليكم", وكي يصل القطار إلى محطّته سالماً و في موعده تماماً, فهناك أجيال أخرى بانتظاره.

٧/٠٣/٢٠١٠

عناصر 2

إهداء لروح المفكّر الدكتور عبد الوهّاب المسيري في ذكرى رحيله

"أنا أحبّ السود"! هذه أكثر العبارات عنصريّةً يمكن أن تُقال. قائلها يعتبر نفسه في مرتبة أعلى ولكن قلبه الرقيق وفائض رحمته يمنّان علينا بحبّه لداكني البشرة أو للآخر. من يميّز في تعامله مع الآخر سواء بطريقة سلبية أو إيجابية يُعتبر في نظري عنصري, فالآخر رغم اختلافه عنك في الشكل فهو إنسان مثلك, في نفس المرتبة, يمكنك أن تحبّه وتكرهه لشخصه, لا لعرقه أو جنسه, أي أنّ الإنسان السليم بفطرته يحبّ ويكره أفراد لا جماعات وأعراق.
ننتقلّ لمشكلتنا كعرب, فبسبب انتشار الجهل المقنّع في وطننا العربيّ, انتشرت النظرة النمطيّة المسبقة والرأي النمطي في عيون و عقول معظم العرب, فأصبح لديهم رأي في كلّ شيء دون معرفة كافية وفي غياب كامل للوعي ودون توافر أساس من المعلومات يمكن أن يُبنى عليه رأيٌ صحيح, فالرأي النمطي العنصري منتشر بين بعض العرب بشكل كبير ضدّ شعوبٍ أخرى, حيث بات بعض العرب الآن يعتبرون أنفسهم الأمّة العظمى والفضلى, وأنّهم يتكرّمون حين يحبّون شعوباً أخرى وكأنّهم يقولون لهم: أنتم شعبٌ أقلّ منّا منزلة ومرتبة ونحن شعبٌ عظيم حبانا الله بعطايا ليست لديكم ولكن رغم ذلك نحن سنهبكم شرف حبّنا لكم! لا أدري ماهوالمنطق الّذي جعل بعض العرب يعتبرون أنفسهم خير الأمم, وحين تسأل يقول بعضهم: حبانا الله بنعمة الإسلام لذا فنحن خير الأمم. ولا أدري كيف يحتكر بعض العرب الإسلام وكأنّ الإسلام أنزله الله للعرب فقط ليعتبروا أنفسم شعب الله المختار, فبالمناسبة لا يشكّل العرب من 25% من مسلمي العالم, ناهيك عن وجود عرب يتّبعون أديان سماوية أخرى, وليست هذه هي المشكلة فحسب ولكن هل حفظ العرب نعمة الإسلام الّتي حباهم بها الله؟ كما نرى فإنّ أكثر العرب تركوا جوهر الإسلام واستماتوا في التمسّك بقشوره. وتسأل بعضاً آخر من العرب عن سبب شعورهم بالتفوّق فيقولون: لدينا قيم ليست عند شعوب العالم الأخرى مثل التمسّك بالعائلة وإكرام الضيف!! وهل شعوب العالم الأخرى ليست لديها قيم عائلية؟ إذا كانت العائلة العربية تجتمع في الأعياد, كذلك العائلة الغربية تجتمع في الأعياد, وأعياد الغرب أكثر. وإذا كانت العائلة العربية متماسكة كما يقولون, فالعائلات في شرق آسيا متماسكة أكثر وأفرادها يعيشون معاً من الجدّ إلى الحفيد, ويحتفظون بذكرى أمواتهم من العائلة. أمّا بالنسبة لإكرام الضيف, فيبدو أنّه اختلط لدينا مع إكرام المحتلّ ولا أريد القول أكثر.
لو قمنا بالبحث سنجدّ أنّ الميديا العربية الّتي أصبحت للأسف منبع ثقافتنا هي أكثر الميديا عنصريّةً في العالم, فالأفلام والبرامج السطحيّة لدينا تحاول بكلّ السبل الانتقاص من الآخر بطريقة فجّة وإشعارنا بأنّنا متفوّقون وأنّنا أفضل الأمم, وبأنّنا في خير حال و "ما في مثلنا و مفيش زيّنا!", وهذا أخطر وضع يمكن أن تمرّ به أمّة حين تكون في طريقها إلى السقوط وتكون راضية عن نفسها, وهنا تتوقّف حتّى عن محاولة التطوّر والنهوض ولا تشعر بنفسها إلا وهي في القاع.
سننهض كأمّة عندما نتخلّى كعرب عن النعرة الكاذبة بالتفوّق الديني والأخلاقي, فكما أرى أنّنا أصبحنا راضين عن أنفسنا ولكن دون أيّ ثقة بها, حيث أنّنا نعتبر وضعنا مزري ولكنّنا راضون عنه رضاً تامّاً! فللنهوض يتوجّب علينا أوّلاً معرفة قدرنا بين الأمم الآن والتخلّي عن عنصريّتنا وشعورنا بالتفوّق الكاذب, ومعرفة مكامن أخطائنا و قصورنا لنحاول التدارك ولنكون فعلاً جديرين بأن نقول عن أنفسنا أنّنا نحمل راية الإنسانية والأخلاق الّتي هي روح الدين.
لاحقاً عندما تسنح الفرصة سأتكلّم عن العنصرية الداخلية بين العرب, واعتبار كلّ أنّها "زمرة الله المختارة".