٨/٢٥/٢٠١١

آكلو البطاطا


يستضيفنا الرائع فان جوخ اليوم على مائدة أفضل أعماله كما يصفها وهي لوحة "آكلي البطاطا" _أو البطاطس باللهجة المصرية_ لننهم بأعيننا وجباتٍ عديدة خلافاً لأهل "آكلي البطاطا" الّذين يأكلون البطاطا فقط। نتمعّن في اللّوحة فنجد ألواناً حميمية تحتضنها العين وتأسرها وكأنّ الشبكية خُصّصت لاصطياد هذا النوع من الألوان, ألوانٌ تجلب لك شعوراً بأنّها ألوان "إنسانة" كأنّها نحن! قابل معي أبطال اللوحة, عائلة من والدين وثلاثة أبناء اجتمعوا حول طعام العشاء, نتمعّن في الوجوه فنجد أنّها ببساطة نحن! وجوهٌ تعبيراتها تعبيرات إنسانٍ حقيقيٍّ, قد تبدو وجوهٌ غير وسيمة ولكن من قال أنّ الجمال يكمن في الوسامة؟ فقد يأتي الجمال من أشكالٍ غير محدّدة الملامح كشفق القطبين أو حتّى الأميبا, وقد يكون القبح _كلّ القبح_ في أشكال منمّقة كنجمة داود, فالجمال هو ما خلف الشيء وليس الشيء نفسه. نحدّق في وجوه العائلة فنجد أنّ الأب يطلب بابتسامةِ الفلاّح البسيط الطيّب المزيد من الشاي من الأم المنهمكة في صبّ الشاي بعد يومٍ شاق في البيت وفي الحقل, والابنة تنظر إلى أخيها وتشير إلى طبق البطاطا, ربّما تسأله إن كان يريد المزيد, نرى في عينيها تساؤلاً وخوفاً ربّما من غدٍ لا تعرف كيف سيكون, ربّما تحبّ ابن الجيران صديق أخيها ولكن تكتم حبّها في قلبها, ربّما تريد اكتساب العلم ولكن الظروف لا تسمح, ربّما لن نعرف أبداً. الأخ ينظر إلى أمّه ولا يأبه لاخته _متّخذاً دور الأخ الأكبر المتعجرف_ ويطلب من الأم فنجان شاي فهو سيجرعه وسيخلد إلى النوم مفكّراً في أعمال الغد في الحقل أو ربّما في كيفية تحقيق حلمه في الذهاب إلى ميناء روتردام كي يبحر مع سفينةٍ ما ويصبح بحّاراً, لن نعرف أبداً. الابنة الصغيرة أدارت لنا ظهرها وانهمكت في الأكل فهي متعبة من اللعب ومساعدة أمّها طوال اليوم وليس لديها مزاجٌ للّهو مع أمثالنا. جلسة حميمية لعائلة في كوخها الخشبي, وكم تأسرني فكرة العيش في كوخٍ من الخشب, شعورٌ لا يوصف أن تعيش داخل كائنٍ حيّ له روح الشجر لا بين جدرانٍ اسمنتية باردة مصمتة, شعورٌ رائع أن يحميك من الطبيعة الطبيعة ذاتها, الخشب فيه روحٌ ودفء ولن يخذلنا أبداً وكأنّنا في سفينة نوحٍ داخله. العائلة تعمل في زراعة البطاطا وكما نرى فإنّ طعامهم الأساسي والوحيد تقريباً هو البطاطا, والبطاطا هي الطعام الرئيسي _كالخبز عندنا_ في هولندا وتلك المنطقة من شمال أوروبا, وهذه العائلة تأكل ممّا تزرع وزراعتها هي الطعام الأساسي للبلاد, فلو أسقطنا الأمر على بلادنا العربية سنجد عائلة تزرع القمح ثمّ تطحنه فيصبح دقيقاً وتخبز الأمّ ذلك الدقيق فتأكله العائلة مساءً, وهذا كان تاريخاً ولكنذنا الآن كعرب نستورد _للأسف والأسى_ طعامنا الأساسي _الخبز أو العيش أو الحياة_ من بلدانٍ أخرى, وأنا شخصيّاً لا أعرف ماذا تفعل عائلة "آكلي الخبز" العربية طوال اليوم كي تأكل خبزها آخر النهار إن كان خبزها يصلها عبر البحار! ويلٌ لأمّةٍ تأكل ممّا لا تزرع, فلن نجد فيها عائلة مطمئنّة كعائلة آكلي البطاطا هذه, بل ستكون العائلات كلّها قلقة لا تعرف إن كان سيصلها المدد _من الحياة_ غداً كي تأكل الخبز مساءً. حين نأكل ممّا نزرع, سنكتسي ممّا نصنع, وسنصل القمر بما نبتكر, هذه هي الوصفة, وليست صعبة كما أظنّ,, وفي النهاية قبل أن نشكر عائلة "آكلي البطاطا" على استضافتهم لنا, نودّ أن نشكركم جميعاً على استضافتكم لصفحتنا عندكم ونأمل أن يدعو كلٌّ منكم أصدقاءه كي نزيد عدد النجوم في سمائنا ونستنير بكم وتستضيفوننا أكثر فأكثر,, رسمها عام 1885
يمكنكم متابعتنا على صفحة منارة
Link