٦/٢٢/٢٠١٠

الربع الخالي


ربّما لن يهتم أحدٌ لقراءة كلام يكتبه شخصٌ ما ليعبّر عمّا في داخله من أفكار وهموم شخصية, فلكلّ إنسان أفكاره و تجربته الشخصية الّتي تغنيه عن إضاعة وقته في قراءة تجارب الآخرين وأفكارهم. وأعتقد أنّ قارئي هذا الكلام لن يتجاوزوا نصف أصابع اليد الواحدة بمن فيهم أنا
إنّ ربع قرن من الزمن مدّة طويلة جدّاً, عدد كبير جدّاً من الأيّام ومياه تكفي لإغراق المريّخ مرّت من تحت الجسور, ولو أخذنا بالمعدّلات الطبيعية لحياة الفرد فقد عشت أكثر من ثلث عمري. وإن حوّلت هذه المدّة إلى مادّة, أجد أنّني لم أحقّق شيئاً على الإطلاق, ربع قرن من اللاشيء, يبدو هذا مخيفاً. فعندما أنظر خلفي أرى أنّني لم أُسعد أيّ شخص ولم أسعى أنا نفسي خلف السعادة كما يرى الدستور الأمريكي. كلّ ما زرعته في الخمس والعشرين سنة الماضية هو بعض الأفكار والأحلام وكنت أنسى في أكثر الأحيان سقايتها حتّى كادت في مرّات كثيرة تذبل وتموت, وأنا أومن أنّ بموت أحلام الإنسان تموت روحه وبالتالي يصبح جهازاً ينتظر قرار إنهاء خدمته لعدم توافر قطع الغيار. حضرتُ عزاء أحلام معظم من حولي, وأحلام معظم الناس تقلّصت إلى حلم الحياة فقط بانتظار الموت, فتحوّل هؤلاء من أنهر إلى بِرك راكدة تنمو فيها مختلف أنواع الطفيليّات والحشرات, فيُضرب جوهر الإنسان وتتوقّف مسيرة التطوّر الإنساني فيهم فيعيقون تطوّر أجيال وأمم. كم أخشى موت أحلامي ولحاقي بهؤلاء في أمل أن تضع أفخر أنواع الحشرات بيوضها في بركتي. رغم أنّ أحلامي مازالت موجودة ولكنّي أخشى أنّ عدم اكتراثي بها سيبقيها أحلاماً, تموت وتنتهي مع الزمن, فالأحلام تحتاج إلى الخروج من الشرنقة وفرد الأجنحة والطيران, أعتقد أنّ ربع قرن من الأحلام والأفكار في الشرنقة كافية جدّاً, وجاء الوقت الّذي أعمل فيه على أن تصبح هذه الأحلام ذكريات حيّة عندما أنظر خلفي بعد ربع قرنٍ آخر. على كلّ إنسان أن يبذل كلّ ما بوسعه كي يحقّق آماله فبهذه الطريقة يخدم تطوّره وتطوّر وطنه ويحافظ على إنسانيته. بالنسبة لي عندما أرى أنّني لازلت بعد ربع قرن من اللاشيء محتفظاً بأحلامي ولازلت أريد تحقيقها أجد أنّ المستقبل لا يبدو مخيفاً لهذه الدرجة, وسيكون هذا المستقبل كما أريده. هذا على الصعيد الشخصي, أمّا العام فدعنا منه الآن فله كلام كثير آخر. بالنسبة لي انتهى عصر الأحلام المجرّدة وبدأ عصر تحقيق هذه الأحلام ببذل الجهد الّذي لم أبذله طوال هذه سنوات فأنا لا أريد أن أكون برِْكة وأحلامي تريد أن تكون واقعاً, آن للنهر أن يجد له مصبّاً, وكل ربع قرن و أنتم وأنا طيّبون

ليست هناك تعليقات: