٧/٠٣/٢٠١٠

عناصر 2

إهداء لروح المفكّر الدكتور عبد الوهّاب المسيري في ذكرى رحيله

"أنا أحبّ السود"! هذه أكثر العبارات عنصريّةً يمكن أن تُقال. قائلها يعتبر نفسه في مرتبة أعلى ولكن قلبه الرقيق وفائض رحمته يمنّان علينا بحبّه لداكني البشرة أو للآخر. من يميّز في تعامله مع الآخر سواء بطريقة سلبية أو إيجابية يُعتبر في نظري عنصري, فالآخر رغم اختلافه عنك في الشكل فهو إنسان مثلك, في نفس المرتبة, يمكنك أن تحبّه وتكرهه لشخصه, لا لعرقه أو جنسه, أي أنّ الإنسان السليم بفطرته يحبّ ويكره أفراد لا جماعات وأعراق.
ننتقلّ لمشكلتنا كعرب, فبسبب انتشار الجهل المقنّع في وطننا العربيّ, انتشرت النظرة النمطيّة المسبقة والرأي النمطي في عيون و عقول معظم العرب, فأصبح لديهم رأي في كلّ شيء دون معرفة كافية وفي غياب كامل للوعي ودون توافر أساس من المعلومات يمكن أن يُبنى عليه رأيٌ صحيح, فالرأي النمطي العنصري منتشر بين بعض العرب بشكل كبير ضدّ شعوبٍ أخرى, حيث بات بعض العرب الآن يعتبرون أنفسهم الأمّة العظمى والفضلى, وأنّهم يتكرّمون حين يحبّون شعوباً أخرى وكأنّهم يقولون لهم: أنتم شعبٌ أقلّ منّا منزلة ومرتبة ونحن شعبٌ عظيم حبانا الله بعطايا ليست لديكم ولكن رغم ذلك نحن سنهبكم شرف حبّنا لكم! لا أدري ماهوالمنطق الّذي جعل بعض العرب يعتبرون أنفسهم خير الأمم, وحين تسأل يقول بعضهم: حبانا الله بنعمة الإسلام لذا فنحن خير الأمم. ولا أدري كيف يحتكر بعض العرب الإسلام وكأنّ الإسلام أنزله الله للعرب فقط ليعتبروا أنفسم شعب الله المختار, فبالمناسبة لا يشكّل العرب من 25% من مسلمي العالم, ناهيك عن وجود عرب يتّبعون أديان سماوية أخرى, وليست هذه هي المشكلة فحسب ولكن هل حفظ العرب نعمة الإسلام الّتي حباهم بها الله؟ كما نرى فإنّ أكثر العرب تركوا جوهر الإسلام واستماتوا في التمسّك بقشوره. وتسأل بعضاً آخر من العرب عن سبب شعورهم بالتفوّق فيقولون: لدينا قيم ليست عند شعوب العالم الأخرى مثل التمسّك بالعائلة وإكرام الضيف!! وهل شعوب العالم الأخرى ليست لديها قيم عائلية؟ إذا كانت العائلة العربية تجتمع في الأعياد, كذلك العائلة الغربية تجتمع في الأعياد, وأعياد الغرب أكثر. وإذا كانت العائلة العربية متماسكة كما يقولون, فالعائلات في شرق آسيا متماسكة أكثر وأفرادها يعيشون معاً من الجدّ إلى الحفيد, ويحتفظون بذكرى أمواتهم من العائلة. أمّا بالنسبة لإكرام الضيف, فيبدو أنّه اختلط لدينا مع إكرام المحتلّ ولا أريد القول أكثر.
لو قمنا بالبحث سنجدّ أنّ الميديا العربية الّتي أصبحت للأسف منبع ثقافتنا هي أكثر الميديا عنصريّةً في العالم, فالأفلام والبرامج السطحيّة لدينا تحاول بكلّ السبل الانتقاص من الآخر بطريقة فجّة وإشعارنا بأنّنا متفوّقون وأنّنا أفضل الأمم, وبأنّنا في خير حال و "ما في مثلنا و مفيش زيّنا!", وهذا أخطر وضع يمكن أن تمرّ به أمّة حين تكون في طريقها إلى السقوط وتكون راضية عن نفسها, وهنا تتوقّف حتّى عن محاولة التطوّر والنهوض ولا تشعر بنفسها إلا وهي في القاع.
سننهض كأمّة عندما نتخلّى كعرب عن النعرة الكاذبة بالتفوّق الديني والأخلاقي, فكما أرى أنّنا أصبحنا راضين عن أنفسنا ولكن دون أيّ ثقة بها, حيث أنّنا نعتبر وضعنا مزري ولكنّنا راضون عنه رضاً تامّاً! فللنهوض يتوجّب علينا أوّلاً معرفة قدرنا بين الأمم الآن والتخلّي عن عنصريّتنا وشعورنا بالتفوّق الكاذب, ومعرفة مكامن أخطائنا و قصورنا لنحاول التدارك ولنكون فعلاً جديرين بأن نقول عن أنفسنا أنّنا نحمل راية الإنسانية والأخلاق الّتي هي روح الدين.
لاحقاً عندما تسنح الفرصة سأتكلّم عن العنصرية الداخلية بين العرب, واعتبار كلّ أنّها "زمرة الله المختارة".

هناك تعليقان (٢):

غير معرف يقول...

أمّا بالنسبة لإكرام الضيف, فيبدو أنّه اختلط لدينا مع إكرام المحتلّ ولا أريد القول أكثر

ليلي المصري يقول...

أمّا بالنسبة لإكرام الضيف, فيبدو أنّه اختلط لدينا مع إكرام المحتلّ ولا أريد القول أكثر