٧/٣١/٢٠١١

معلّم علّمه الشعب

أُريق الكثير من الحبر خلال العقود الماضية في الكتابة على مذبح الكلام عن جمال عبد الناصر الرجل والإنسان والزعيم, وقد ذهب بعض هذا الحبر هباءً وهدراً لأن ساكبيه كانوا يهاجمون الرجل بكلامهم وكتاباتهم لمجرّد الهجوم عليه أو لغايات بعيدة جدّاً عن مصالح الأمّة, وللأسف التشويه هو قدر الكثيرين من شرفاء أمّتنا, وفي المقابل فقد روى البعض الآخر الصادق من ذلك الحبر قمح ضمير الأمّة حين أنصف ساكبوه الرجل وحين انتقدوه كذلك. لن أكتب كثيراً عن عبد الناصر لأنّ عظمته وهالته أكبر من أن يحتويها مقال أو كتاب أو مجموعة كتب, ولن يمكنني تلخيص ناصر كرجل, فحبّ زوجته له وتربيته لأبنائه وكونه قدوة لزملائه والمال الّذي تركه بعد وفاته وصدق الأغاني والأشعار الّتي كُتبت من أجله واللمسة الّتي يشعر بها كلّ من تعامل معه عن القرب خير ما يلخّص ناصر كرجل, و خير ما يُظهر إنسانية ناصر في رأيي هو ضحكته, فحين ترى صورة له وهو ضاحك تدرك أنّ هذا الرجل إنسان حقيقي, فصفة إنسان لا تظهرها نتائج فحوص ال(دي ان ايه). في ذكرى تأميم قناة السويس, وفي ذكرى استعادة أحد حقوقنا الّتي اغتصبها المستعمرون, أودّ الكتابة قليلاً عن ناصر الزعيم الّذي اتّخذ قرار التأميم, فالرجل كان أوّل حاكمٍ "من أهل مصر" لمصر منذ أن غزا الاسكندر الأكبر مصر في القرن الرابع قبل الميلاد, أي أنّ الرجل خرج من بين ذلك الشعب, فقاد وزملاؤه ثورة عظيمة, وهنا أودّ القول لمن لا يعتبر ما قام به الضبّاط الأحرار ليلة 23 تمّوز-يوليو من عام 1952 ثورة ويسمّيها انقلاب أو ما شابه, أنّ تعريف الثورة هو تغيير يطال كلّ مناحي الحياة يصيب المكان الّذي تحدث فيه, بغضّ النظر عن عدد من قاموا بها أو الطريقة الّتي ثاروا بها, وكما نعلم أنّ الحياة في مصر بعد الثورة اختلفت تماماً عمّا قبلها, ولن أتكلّم عن الفوارق, فالكلّ هنا متعلّم _لأنّ الثورة جعلت التعليم مجّاني!_ ويمكنه قراءة تاريخ مصر قبل وبعد الثورة. وتأميم قناة السويس الّتي سالت فيها ملوحة عرق ودماء المصريين قبل أن تسيل فيها ملوحة ماء البحر هو أحد لاءات عبد الناصر ضدّ الغرب الاستعماري الّتي بدأت منذ مؤتمر باندونج وصفقات الأسلحة الّتي كسرت احتكار الغرب لتجارة السلاح في منطقتنا, وذلك جعل من عبد الناصر عدوّاً للغرب لأنّه ببساطة قال لهم "لا" وأخذ حقّ شعبه منهم, وكلّنا يذكر أنتوني إيدن رئيس وزراء بريطانيا حين أحضر ورقة مغموسة بالحبر الأسود وقال أنّ هذه هي صفحة عبد الناصر.. سوداء, وكان ذلك هو بداية الحبر الّذي اُهدر قبل البارود ضدّ عبد الناصر, وطبعاً ذلك الحبر المسكوب أسكر الرجعيين العرب, وجعلهم يثملون ويعيدون سكب الحبر تلو الحبر ضدّ الرجل حتّى اليوم, حتّى أنّ الغرب شبّهه بأدولف هتلر في طريقة خطابه القومي, وهنا أريد التنويه أنّ قومية عبد الناصر تختلف عن قومية هتلر, فقومية هتلر استعلائية نظرتها فوقية ضدّ القوميات الأخرى, بينما قومية ناصر قومية جامعة هدفها توحيد العرب ولا تستعلي على أيّة قوميات أخرى. ومن صفات ناصر كزعيم أنّه لم ينكسر ولم يرضخ حين هُزم في معركة, بل قاوم وأطلق لاءات الخرطوم ضدّ استبداد واستكبار العدوّ, بينما من جاء بعده _وكان يلقّب ناصر بالمعلّم_ رمى هذه اللاءات في البحر وبدّلها بالرضوخ رغم انتصار جيشه على العدوّ! طبعاً لعبد الناصر أخطاؤه _ومن في التاريخ لم يُخطئ؟!_ ولكن حسبه أنّ أخطاءه كانت نابعة من صدقه, حيث كان يعتقد صادقاً أنّ أفعاله صحيحة وفي سبيل الوطن والقضيّة وإن كان منها ما كان خاطئاً, وهذا يُغفر له بسبب صدقه, وبما أنّ حجم الأعداء وخبثهم كان كبيراً. وأودّ القول أنّني لا أحبّ تعبير "الناصرية" وأعتبرها إهانة للرجل وللشعب الّذي أنجب هذا الرجل, فالناصرية كما يعرّفها أصحابها هي نهج عبد الناصر القومي الاشتراكي فاتّبعوا "الناصرية" من أجل هذا, ولكن نهج عبد الناصر هو نهج الشعب العربي كلّه منذ الأزل, أي أن ناصر هو من كان يتبع تطلّعات الشعب ولم يستحدث شيئاً جديداً, بل جعل تطلّعات الشعب هي أولويته زنهجه, وهنا أقول أنّ عبد الناصر كان قوميّاً عربيّاً اشتراكيّاً سار خلف تطلّعات الشعب, فعلينا نحن كمحبّي الرجل أن نسير خلف التطلّعات الّتي سار خلفها وألاّ نجمّدها في شخصه فتزول, وقد كتبت منذ أيّام أنّهم للأسف ربطوا ثورة يوليو بشخص _وإن كان عظيماً_ ولم يربطوها بأنفسهم فأصبحت تاريخاً! عبد الناصر سار خلف تطلّعات الشعب وعلينا نحن أن نسير خلفها كذلك. في النهاية أودّ القول أنّنا كأفراد _حتّى لو اختلفنا مع عبد الناصر_ ولكنّنا لا نستطيع إنكار حقيقة أنّه أفضل حاكم عربي جاءنا منذ الحروب الصليبية, عسى أن يأتينا قريباً حاكمٌ مثله يؤدّي عمله كخادم للشعب العربيّ وتطلّعاته

لي قريباً مقالٌ عن خلافات عبد الناصر مع خصومه وهو ما كان ومازال يؤخذ عليه بشدّة, فسأحاول تفنيد الأمر

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

truely hope u and ur family r fine.