٧/٠٣/٢٠١١

3arabi

فكّرت في طريقة لعرض فكرة واتتني منذ فترة متعلّقة بلغتنا العربية ووجدت أنّ كتابة قصّة قصيرة فكرة لا بأس بها كمدخل إلى تلك الفكرة,,
أهدي القصّة إلى الأستاذ محمّد حمّيد معلّمي ومدرّس اللغة العربية في الصفّين الأوّل الإعدادي والثاني الإعدادي الّذي ادين له بغالبية ما أعرفه عن اللغة العربية, كما أشكر صديقتي الأستاذة الأديبة سامية أبو زيد لتصويبها بعض الأخطاء الّتي أقع فيها

استيقظت على صوت المنبّه وهو يخترق طبلتيّ أذنيّ, همهمت زوجتي الراقدة بجانبي بشيءٍ ما, ودفنت رأسها تحت الوسادة, طبعاً هي لن تصحو قبل العاشرة, أمّا أنا فعليّ الإسراع بالنهوض وممارسة طقوس الصباح قبل التوجّه إلى المدرسة حيث أعمل مدرّساً للّغة العربية, والجزء الأصعب في عملي هو النهوض باكراً وترك دفء الفراش। اتّجهت نحو المطبخ لأحضّر بعض الشاي لأكتشف أنّ الكهرباء مقطوعة, تبّاً لهم حين يقطعون الكهرباء عندما يحتاج إليها المرء, وفي هذا العصر يحتاج المرء إليها في كلّ لحظة! وضعت برّاد الشاي على النار على نور تعوّدي حلكة الظلام, وتوجّهت إلى الحمّام لأغسل وجهي, وحمدت الله حين رأيت الماء ينهمر من الصنبور, طبعاً دون كهرباء من الصعب أن أقوم بحلاقة شعيرات لحيتي النامية, نظرت إلى المرآة فرأيت السواد, وقد يكون هذا أفضل من رؤية وجه الكهل ذي الخمسة والأربعين عاماً الّذي صرتُه, الوجه الّذي قد لا يحمل ابنٌ أو ابنة ملامحَه رغم سنوات الزواج الخمس, بعد أن أمسكت عنه في فترة شبابي بسبب المسائل الّتي يعاني منها كلّ شابٍ في وطني إلى أن يكون قادراً على تحمّل مسؤولية أسرة. غسلت وجهي وعدت إلى المطبخ لأجد أنّ نصف الماء في برّاد الشاي قد تبخّر, أطفأت النار تحت البرّاد ووضعت يديّ فوقه كي أبعث فيهما بعض الدفء بما أنّه _الدفء_ لن يدخل جوفي من خلال الشاي هذا الصباح. توجّهت إلى غرفة النوم لارتداء ملابسي, وكالعادة نسيتْ زوجتي أن تقوم بكيّ قميص, يبدو أنّه سيكون لي كلمتان معها حينما أعود, أخذت قميصاً كي أقوم بكيّه فتذكّرت أن لا كهرباء هناك, تباً! عليّ ارتداؤه بالتجعيدات الّتي عليه, يبدو أنّه يومٌ أشدّ حلكة من الأيّام الأخرى! نزلت السلالم من الطابق السادس بما أنّ المصعد لا يعمل, وحتّى إن كان يعمل فأنا لا أستخدمه بسبب رهاب الأماكن المغلقة (الكلوستروفوبيا) الّذي أعانيه, وحين أصبحت في الشارع تذكّرت أنّني نسيت حقيبتي وفيها محفظتي في البيت, عجيبٌ هو مصطلح "تذكّرت أنّني نسيت" وكأنّني أقول: "مشيت ولكن لم أتحرّك"! على كلٍّ لن أحتاج الحقيبة والمحفظة بما أنّ مشواري قريب. توجّهت إلى المدرسة الّتي تقع في آخر الشارع الّذي أسكن فيه, وقد كان هناك عددٌ صغير من الطلبة المتأخّرين يجرون نحوها, كنت أرى دوماً أنّ منظر الأطفال وهم يتوجّهون إلى مدارسهم صباحاً يبعث على الأمل, رغم أنّني هذه الأيّام أتحفّظ على تسمية تلك المباني المتهالكة بمدارس, وليس السبب هو تهالك المباني بقدر ما هو تهالك دورها كمنبعٍ للماء يسقي الزرع لينمو ويشتدّ عوده, فمدارس هذا الزمن وهذا الوطن أصبحت فترة زمنية يقضيها المرء لا غير, أو نوعٌ من أنواع فصول محو الأميّة لتعلّم القراءة فقط, وطفقنا ننتظر قطرة هنا وقطرة هناك من السماء مع جفاف المنبع! مررت على بائع الصحف أمام المدرسة ولم أتوقّف لأقرأ العناوين كعادتي لأنّ الوقت تأخّر,
كان طابور الصباح قد انتهى, وتوجّه الطلاب إلى فصولهم, ودخلت من الباب الرئيس وحيّيت الحارس قائلاً:
_صباح الخير
نظر إليّ باستغراب وأنا أتجاوزه, وهمهم بكلماتٍ غير مفهومة, عزوت ذلك إلى منظر لحيتي النامية وقميصي المجعّد. لم يكن هنالك وقت للمرور على الناظر لتوقيع دفتر الحضور فتوجّهت رأساً إلى الفصل لأبدأ الدرس على أن أوقّع الدفتر لاحقاً. اقتربت من الفصل وسمعت صوت الضجيج الّذي يثيره الطلاّب دوماً قبل دخول المعلّم وكأنّهم أفراد خلية نحل نشطة, وما إن دخلت حتّى خفّ الضجيج تدريجياً إلى أن توقّف, ووقف الطلاّب احتراماً كما تعوّدوا وكما أخبرهم شوقي منذ حوالي القرن لتحيّة رسالة المعلّم, أشرت إليهم بالجلوس, وكنت قد قرّرت أن أقوم بامتحانٍ شفهيٍّ لبعض الطلاب في بداية الدرس لأرى مدى استيعابهم للدرس السابق, أشرت لأحدهم أن يأتي, وعندما وقف أمام السبّورة, كتبت جملةً طالباً منه إعراب كلماتها, وهنا نظر إليّ وعلى وجهه استغراب فرعون حين رأى عصا موسى, فقلت:
_هيّا أعرب يا بنيْ
_........
لا جواب, مع أنّني أعتبره أحد الطلاّب المجتهدين, كرّرت سؤالي, فلم يجب, بل قال شيئاً بصوتٍ خافت, أشرت له أن يرفع صوته, فسمعته يقول كلماتٍ لم أفهم منها حرفاً وكأنّه يتكلّم السواحيلية, ولولا القلق البادي على وجهه لظننت أنّه يهزَأ بي:
_ماذا تقول يا بنيْ؟
_تراتين سافناي باك شي!!
ها قد اكتملت حلكة ظلام هذا الصباح بطالبٍ يهزأ بي, نظرت إلى بقيّة الطلاّب فوجدتهم واجمين ينظرون إليّ باستغراب, أيّ نوعٍ من السخافات هذه؟ نظرت إليهم وقلت:
_من منكم يستطيع إعراب تلك الجملة؟
وقف أحدهم وقال:
_باك شاتاي هين تا!!
يبدو أنّ الأوغاد يتعمّدون حرق أعصابي, ويبدو أنّه سيكون صباحٌ حالك الظلمة عليهم, ولو أنّهم لم يمنعوا الضرب في المدارس لكنت فتكت بهم:
_تبّاً لكم! لمَ تفعلون ذلك؟ لا تجعلوني أتصرّف معكم تصرفاً قد تندمون عليه!
ارتسمت البلاهة على وجوههم, يبدو أنّهم ممثّلون من الطراز الأوّل, وهنا بدأت أفقد أعصابي وبدأ صوتي يرتفع بالصراخ العصبيّ, ويبدو أنّ الناظر كان يمرّ من أمام الفصل, فدخل ووقف الطلاّب, فبادرته والزبد يتطاير من بين شدقيّ:
_يبدو أنّ طلاّب هذا الزمن قد فقدوا كلّ احترام لمعلّميهم, انظر إليهم وإلى فعلتهم
ولكنّ الرجل نظر إليّ أنا مشدوهاً وارتسم سرب علامات استفهام وقطيع علامات تعجّب على وجهه, ماذا هنالك؟ أهناك شيء غريب في وجهي كي ينظر إليّ هكذا؟! سألته بصوت مرتجف:
_ماذا هناك يا حضرة الناظر؟!
_ساداك باي شاك لوان!!
ما الأمر؟! أهي مؤامرة؟ أهو متواطئ معهم؟ أهو عيد ميلادي وأحبّوا أن يحتفلوا به بهذه الطريقة؟ ما الأمر؟!
_لمَ تتكلّم هكذا يا حضرة الناظر, أنت كبرت على هذه الأمور الصبيانية!
_بولاك ستان ما هرباي سي!!
هنا فقدت أعصابي تماماً وكِلتُ سيلاً من الشتائم للناظر, فلا أحبّ ان يهزأ بي أحد, وعلى وقع صراخنا خرج بعض المدرّسين من فصولهم وتجمّعوا حولنا, وهنا صحت:
_يبدو أنّ الناظر والطلبة أرادوا أن يلعبوا معي لعبةً ما وكأنّنا لسنا في مدرسة
قال أحد المدرّسين وهو مدرّس رياضيات:
_فان بي سورتاك بارتي؟!
يبدو أنّ الجميع قد جنّ, ما الأمر؟ هل تواطأ الجميع ضدّي؟ أم أنّني أعيش كابوساً؟ وما هذه اللغة الّتي يتكلّمون بها؟ وجوههم لا تشي بأنّهم يمزحون, خطر لي خاطرٌ فجريت ناحية حقيبة أحد الطلاّب وفتحتها وأخرجت كتاباً وحين فتحته صُدمت, فقد وجدت أنّ كلماته مكتوبة بأحرف وأرقام غريبة لاتينية على غرار (الفرانكو-أراب) مع أنّه من صورته يبدو كتاب التاريخ! فتحت كتاباً آخر وجدت نفس الشيء! يبدو أنّه كابوسٌ, فلا يعقل أنّ الجميع متواطئ ويقومون بالمزاح معي, وهنا خطر لي خاطر:
_ Speak Arabic
صحت بهذه الجملة باللغة الإنجليزية الّتي لا أعرف إلاّ بضع كلماتٍ منها, وهنا ردّ أحد مدرّسي الإنجليزية:
Speak what!?
يبدو أنّه فهم, فحاولت أن أسأل عن كنه اللغة الّتي يتكلّمون بها ولمَ لا يتكلّمون العربية على أمل أن أصحو على صوت المنبّه, ولكنّهم على ما يبدو لم يفهموا عمّا أتحدّث. واتتني فكرة قد تكون هي المخرج, وسألت:
_قرآن.. مصحف.. بسم الله الرحم الرحيم
نظروا إلى بعضهم مستغربين, حينها بدأت أشعر بخدر في كتفي الأيسر, أين مدرّسو التربية الإسلامية لا أراهم؟ لا أعتقد أنّ القرآن يمكنه أن يكون بغير العربية, معدّل ضربات قلبي يزداد, وبدأ رهاب الأماكن المغلقة يتملّكني لسببٍ لا أدريه, جريت إلى مكتب المدير لأنّه يحتفظ بمصحفٍ كبير معلّق على الجدار, وكان منظراً غريباً ان أجري ويجري خلفي المدرّسون والطلاّب جميعاً, وحين وصلت مكتب المدير وأنا ألهث, نظرت إلى الجدار فوجدت خريطة للعالم في المكان الّذي ينبغي أن يكون فيه المصحف, وهنا بدأت بقعة حمراء تتكوّن في مجال بصري وتزايد الخدر في ذراعي اليسرى, وأحسست كأنّي في تابوت ورهاب الأماكن المغلقة هو الآمر الناهي, يبدو أنّ الأمر حقيقي, أو أنّه كابوسٌ حقيقيّ, مساحة البقعة الحمراء تتزايد, هل سأموت في هذا الكابوس؟! أسمع همهمات الجمع حولي ولا أفهم ما يقولون, عدم فهمي لهم يشعرني أنّني في صندوقٍ مغلق, هل سأموت دون أن أفهم ما الأمر؟ البقعة الحمراء اللعينة, يبدو أنّ الأمر اقترب, فحين تذهب اللغة تذهب الأفكار والكلمات فتذهب الروح وتُحبس في برميلٍ مغلق, البقعة الحمراء غطّت على كلّ الموجودات ولن يمكنني الخروج منها, فلأحاول نطق الشهادتين॥
طبعاً اللغة هي أحد أهمّ الأركان والمقوّمات الّتي تقوم عليها الأمّة, فهي كاللاصق الّذي يجمع أفرادها ويوحّد تاريخهم وأفكارهم وحضارتهم, لن أزيد في الحديث عن اللغة وقيمتها فقراءتك لهذه الكلمات وحدها تلخّص قيمة اللغة. وللأسف فأنا أجد أنّنا كعرب قد ابتعدنا عن لغتنا وربّما كان هذا سبباً لابتعادنا عن بعضنا أو قد يكون نتيجة لذلك! فحين نرى أنّ الكثيرين منّا _وأنا منهم_ نخطئ في كتابة الكثير من الكلمات وفي صياغة الكثير من الجمل يجعلنا هذا ندقّ ناقوس الخطر, حيث نرى أنّ نواة الذرّة العربية تُشطر وهذا ما سيؤدّي بنا إلى دمارٍ كبير حين تكون أفكارنا بلغة أخرى غير لغتنا
في كلّ أسبوع سأنشر بعض قواعد اللغة العربية الّتي أرى أنّنا نخطئ فيها كثيراً وبشكل شائع. وسأحاول اليوم تلخيص بعض الأخطاء المتعلّقة بالهمزة ومكانها

همزة القطع
تأتي في الأسماء والأفعال الثلاثية (أكل) والأفعال الرباعية (أسرع), وفي مصادر الأفعال الثلاثية والرباعية فقط مثل (أكل - أكلاً) و (أسرع - إسراعاً)

همزة وصل
تأتي في أفعال الأمر (اذهب, اسمع), وفي الأفعال الخماسية والسداسية (ارتفع, استمع, اقتصد, استخدم, استعمل) وفي مصادر الأفعال الخماسية والسداسية (ارتفع - ارتفاع, اقتصد - اقتصاد, استخدم - استخدام) وكم من مرّةٍ رأينا همزات القطع تكتب خطأً في كلمات مثل (إقتصاد, إستخدام وغيرها) والهمزة فيها خاطئة لأنّها همزة وصل

سأتطرّق للهمزات المتوسّطة في مرّة قادمة بعون الله وسأنتقل للهمزة المتطرّفة الّتي تاتي في آخر الكلمة
قاعدة الهمزة المتطرّفة هي أنّها تُكتب حسب حركة الحرف الّذي قبلها
أي أنّه إذا كانت حركة الحرف الّذي يسبق الهمزة الفتح تكون الهمزة على ألف مثل فعل (تلكَّأ) ونلاحظ حركة الكاف هي الفتح فكتبت الهمزة على ألف
وإذا كانت حركة الحرف السابق لها هي الضم كتبت الهمزة على واو مثل (تواطُؤ, تباطُؤ)
وإذا كانت حركة الحرف السابق لها الكسر كتبت على ياء غير منقوطة مثل (متواطِئ, سيِّئ)
وإذا كانت حركة الحرف السابق لها هي السكون كتبت على السطر مثل (دفْء, بطْء, شيْء, بريْء)
أرجو أن نكون قد استفدنا قليلاً واستمتعنا بالقصّة القصيرة, أشكركم للغاية

ليست هناك تعليقات: