٣/٢٨/٢٠١١

هندسة طائفية


مع بداية هذا العقد تحوّل الشعب العربي إلى حالته السائلة بعد أن تمّ تجميده لعقود من قِبل الطغاة, والعجيب أنّ هذا التحوّل للحالة السائلة كان بسبب النار الّتي أشعلها الطغاة أنفسهم في شعوبهم طيلة هذه العقود بعد أن جمّدوها, فأغرقت هذه الشعوب طغاتها, وبدأت الثورات تؤتي أُكُلها, ولكنّني هنا أريد التوقّف عند جزئية مهمّة قد تطيح بهذه الثورات الشريفة وبالثائرين. كلّنا نعلم أنّ الطغاة كانوا موجودين بدعمٍ من الامبريالية والصهيونية, قد يبدو هذان المصطلحان خشبيّان ولكن شئنا أم أبينا فهما موجودان وكان معناهما يشكّلان الغطاء للطغاة, والآن بعد سقوط الطغاة تريد الصهيونية خلق شيءٍ جديد يجمّد الشعب العربي أو يحرقه تماماً, ولم يبقَ في أيديهم _كما أرى_ إلاّ سلاح الطائفية الّذي كانوا يبثّونه فينا طوال سنيّ التجمّد وها هم سيقومون بتفعيله الآن لأنّ سلاح الطغاة قد سقط.وهنا أريد بداية أن أوجز رؤيتي للدين كما أفهمه, فالدين حالة فردية أي أنّ كلّ واحدٍ فينا لديه رؤية قد تكون مختلفة عن الآخر, ومن هنا جاء مصطلح قوّة الإيمان, فالإيمان قد يكون موجوداً ولكن تختلف درجاته وأنواعه, وهنا رسمتُ في ذهني رؤية خاصّة للإنسان والدين, ولتبسيط الأمر رسمت الشكل أعلاه الّذي يمثّل مثلّثاً قائم الزاوية, حيث الضلع العمودي (أ) هو علاقة الإنسان بالله تعالى, والضلع الأفقي (ب) هو علاقة الإنسان بالبشر الآخرين, ووتر المثلّث (ج) هو محصّلة الضلعين القائمين حسب فيثاغورس, والضلعان القائمان هما عمل الإنسان في دنياه والوتر هو المحصّلة الّتي سيُحاسب عليها يوم القيامة, ويتغيّر ميل الوتر وطوله بتغيّر طولي الظلعين القائمين, أي أنّ الحساب سيكون من خلال تعامل المرء مع ربّه ومع المخلوقات الأخرى. ومن هنا نرى أنّ ليس هناك علاقة لبشريٍّ بالضلعين (أ) و(ج) لبشريٍّ آخر, حيث يمثّل الضلع الأوّل علاقة الإنسان بربّه حصراً, والثاني مؤجّل إلى يوم الحساب كي يحاسبنا الله على أساسه, ولكنّنا في زمننا هذا نرى أنّ تعامل الإنسان مع إنسانٍ آخر في بيئتنا بات يعتمد على الضلع (أ) والّذي لا يمكن لإنسان معرفة طوله لأنّنا لا نستطيع شقّ صدر إنسان ومعرفة علاقته بالله, فالظاهر ليس كلّ شيء, فمثلاً ليس كلّ من وُلد مسلماً مسلمٌ حقّاً! وهنا سأتحدّث عن الضلع (ب), فمثلاً قد نجد في بيئتنا أناسٌ يحبّون شخصاً سيّئاً معهم _ضلع (ب) عنده قصير_ لأنّه فقط من دينهم أو طائفتهم ولكنّهم يكرهون آخراً رائعاً معهم _ضلع (ب) لديه طويل_ فقط لأنّه ليس من دينهم أو طائفتهم, وكأنّهم يرون الضلع (أ) حقّاً ويعرفون علاقته بالله أو كأنّهم هم الله فيحاسبون على الضلع (أ)!! وهنا أتساءل لمَ بعض الناس عندنا تكره الآخرين لأنّهم ليسوا على عقيدتهم؟ فهل هم يكرهونهم لأنّهم لن "يدخلوا الجنّة معهم"؟! وهناك أناسٌ فهموا أنّ الدين يجب أن يُنشر بالسيف وهذا اعتقاد خاطئ تماماً, فحين خرج المسلمون الأوائل من الجزيرة العربية إلى الشام والعراق ومصر وشمال إفريقيا, لم يخرجوا كجيوش, بل خرجوا كدعاة كي يخبروا الناس عن الإسلام و"من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر", ولكنّهم اضطرّوا للحرب والقتال حين منعتهم الجيوش البيزنطية والفارسية من أداء ومهمّتهم وكان الأمر دفاعاً عن النفس وعن حقّهم في التبليغ, فهم أساساً لم يخرجوا لقتال. وممّا يحزن المسلم الآن أن يرى المسلمين _الّذين يعبدون إلهاً واحداً_ يكرهون بعضهم بسبب فروقات مذاهبهم, في حين أنّ أهل الجاهلية الّذين كانوا يعبدون الأصنام المختلفة وكانت لكلّ جماعة منهم صنماً لم يكرهوا أو يحاربوا بعضهم بسبب اختلاف أصنامهم! حتّى أنّ مشركي قريش لم يحاربوا الرسول صلوات الله عليه إلاّ عندما أتاه أمر الله بهدم الأصنام, فكانت حربهم اقتصادية بحتة, فاقتصاد قريش كان يعتمد على الحجّ وبيع الأصنام الّتي يصنعونها, فخافوا أن تذهب هذه "التجارة" من يدهم فحاربوا الإسلام! والآن نرى أن هناك مسلمون "كذا" ومسلمون "كذا", ونرى أنّهم حذفوا كلمة "مسلمون" وأصبح واحدهم يقول: أنا "كذا", وكأنّه نسي أنّه مسلم وأنّ رسوله هو رسول المحبّة وأنّ ربّه هو الله الواحد, فتعصّب ل"كذا" وحارب الله ورسوله, فالرسول جاء بالإسلام فقط ولم يعطه اسماً آخر ولكنّ المسلمين الّذين أتوا بعد عصر الرسول "اجتهدوا" فظهرت المذاهب والطوائف, ولكن أنا أرى أنّ الإسلام واحد ولكن لكلٍّ منّا طريقته في ممارسة إسلامه حسب فهمه لكلام الله وتعاليم رسوله الكريم, ف"رجال الدين" قد يعلّمونني أركان الإسلام من شهادة وصلاة وصوم وزكاة وحجّ فقط, ولكنّهم لن يستطيعوا تعليمي أركان الإيمان, فأنا أستطيع قراءة القرآن الكريم مثلهم تماماً, وحتّى تفسير الآيات يختلف بين رجل دينٍ وآخر, ونحن نعلم أنّه لا كهانة في الإسلام, وكلٌّ يؤخذ منه ويُردّ إلاّ رسول الله الآتي إلينا بهذا الدين, لذا أستغرب جدّاً من حالة تقديس رجال الدين الّتي اعترتنا, فهم لا يختلفون عنّا في شيء ولا يأتيهم الوحي الّذي نزل قبل 1400 عام بالآية الكريمة "اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا".في النهاية لا يهمّنا كبشر إلاّ الضلع (ب) الّذي هو تعامل البشر مع بعضهم, أمّا الضلعان الآخران فالله يعلم بهما ويحاسب عليهما, و أودّ القول أنّ جزيء الماء يتكوّن من ذرّتي هيدروجين وذرّة أوكسجين, ولا تستطيع أيّة ذرّة منهما أن تقول أنّها هي الماء, ودون الذرّتين لن يوجد الماء وسنموت من العطش ولن نجد ما نطفئ به نيران الصهيونية.

ليست هناك تعليقات: